موسكو – (رياليست عربي): المعارك العسكرية مثلما تحمل أضراراً، لها فوائد ودروس وعبر تساهم في بناء رؤية مستقبلية، وترسم دبلوماسية جديدة تنسف نظريات الماضي، ولعل تعاطف الشعوب العربية مع الدولة الروسية في عمليتها العسكرية لحماية دونباس، والتي اتضحت بقوة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، لدرجة بلغت حمل صور الرئيس فلاديمير بوتين في ساحات العواصم العربية، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي فيضاً من التعليقات التي تتمنى النصر لموسكو في معركتها ضد المخططات الأمريكية.
وبالرغم من شلال الروايات الكاذبة والقصص الخيالية التي ينشرها الإعلام الغربي، لتشويه صورة روسيا لما تجدي صداها لدى المواطن العربي، الذي بات يترقب ظهور بوتين على شاشات الفضائيات، ويتابع المؤتمرات الصحفية للمتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، وأصبح يعرف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، مثلما يحفظ وجه وأسماء القادة العرب، ويبتهج بتصريحات متحدثة الخارجية ماريا زاخاروفا، ويهتم بسيجارة وزير الخارجية سيرغي لافروف.
كما سيطرت حالة من الشماتة ضد الدول الأوروبية، وقابلت الشعوب العربية قرار الرئيس الروسي بفرض الروبل لتصدير النفط والغاز الروسي الدول غير الصديقة، بحفاوة تفوق فرحة المواطن العربي بالحصول على خزينة مليئة بالدولارات الأمريكية.
هذه الحالة الشعورية الصادرة من شعوب الشرق الأوسط، ربما تمثل جرس إنذار لصانع القرار الروسي الذي اعتاد منذ حقبة الاتحاد السوفيتي اختصار علاقاته مع العرب على الأنظمة وتعظيم تجارة الأسلحة وتصدير الحبوب فوق مداعبة الشعوب بالمشاريع التنموية.
فالمراقب لما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية الغريم التقليدي للروس في المنطقة، يدرك مدى الفجوة الهائلة في نظرية استقطاب الشعوب، فالأول – أميركا- بالرغم من كراهية العرب والمسلمين لها بسبب الحاجز النفسي ضد جرائمها في الإقليم، نجحت في اختراق المجتمعات بمشاريع تنموية على صعيد التعليم والثقافة والفنون ..إلخ، وخلقت لنفسها صورة ذهنية حول الجنة الأميركية المزعومة، في المقابل تمارس موسكو هذا الأمر على استحياء بصورة متواضعة ليست ملموسة أو محسوسة لدى العقل الجمعي العربي.
الدولة الروسية التي تمتلك حضارة تنموية جذورها ضاربة في التاريخ، وضعت لنفسها خطوطاً حمراء في الاقتراب للمواطن العربي، وأخلت الساحة للعدو الذي يجند أسلحته الناعمة للهيمنة على أدمغتهم.
وربما يكون أعظم دروس الحرب المستفادة للجانب الروسي، هو التوجه الناعم لدول الشرق الأوسط وأفريقيا، وتكثيف حضورها على المستوى الشعبي بمشاريع تنموية ونشر الثقافة الروسية وفتح آفاق تعاون أرحب بعيداً عن لغة الأرقام التجارية و التسليحية.. فالحروب لم تعد قاصرة على تحليق المقاتلات في السماء، وتفجير القنابل على الأرض، بقدر ما أصبحت حروباً لاحتلال العقول بالقوة الناعمة.
خاص وكالة رياليست.
