أربيل – (رياليست عربي): في يوم الخميس (24 يوليو/تموز)، شهدت الساحة السياسية الأوروبية حدثًا نادرًا بتأجيل اجتماع رسمي كان من المقرر عقده يوم الجمعة (25 يوليو/تموز) في باريس بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، “مظلوم عبدي”، ووزير خارجية الحكومة السورية المؤقتة، “أسعد الشيباني”.بحظور وزير الخارجية الفرنسي “جان نوبل بارو”، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، “توماس باراك”. وكان جدول أعمال الاجتماع طرح مقترحات ملموسة لضم قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري.
تُعد قوات سوريا الديمقراطية شريكًا رئيسيًا في التحالف الدولي ضد داعش منذ عام 2014، وتحظى بدعم القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى أكثر من 60 دولة، غالبيتها أوروبية. على الرغم من هذا الدعم، تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب (YPG)، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، جماعة غير مقبولة، وتحث شركاءها في الناتو باستمرار على عزل قيادتها سياسيًا ودبلوماسيًا.
وفي هذا السياق، یفهم إلغاء الاجتماع مع مظلوم عبدي في اللحظة الأخيرة كدليل على النفوذ التركي في صنع القرار الأوروبي، أو على الأقل استعداد بعض القوى الأوروبية للتخلي عن مواقفها المبدئية تجاه الکردستانیین في مواجهة مصالح متشابكة مع أنقرة. ويأتي هذا التنازل في شكل قبول ضمني للابتزاز التركي، خاصة وأن فرنسا كانت من أبرز الداعمين لقوات سوريا الديمقراطية خلال حربها ضد داعش.
وأشارت عدة مصادر إلى أن أنقرة مارست ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة على باريس لإلغاء الاجتماع. یأتي ذلک في وقت حساس سياسياً، إذ يتزامن مع تصاعد الوضع في المناطق روجافا (شمال وشرق سوريا)، ومع اقتراب الانتخابات المحلية الفرنسية، حيث أصبحت المخاوف المتعلقة بمكافحة الهجرة والإرهاب أدواتٍ في الجدل السياسي الداخلي المتوتر. ولا تزال تركيا، التي تشهد علاقاتها مع الغرب توتراً، قوةً لا غنى عنها في قضايا الطاقة واللاجئين، لدرجة أن معظم العواصم الأوروبية طوّرت نهجاً عملياً للتعامل معها.
لكن هذا النهج قد يأتي بنتائج عكسية. فالتخلي عن الحلفاء المحليين الموثوق بهم، مثل قوات سوريا الديمقراطية، يُضعف سمعة الحلفاء المحليين للغرب، ويمنح روسيا وإيران فرصةً لتعزيز مكاسبهما في المنطقة. كما أن هذا الانسحاب الأوروبي يُقوّض قدرة أوروبا على ممارسة استقلاليتها في موازين الشرق الأوسط، ويُخضعها لرحمة قوى أكثر عدوانية.
يبدو أن السيادة الأوروبية القائمة على استقلالية صنع القرار الخارجي قد أصبحت في هذه الحالة عرضة لطغيان الموازين الجيوسياسية والضغوط المحلية. يثير هذا التطور شكوكًا جدية حول استقلالية أوروبا في تحديد سياساتها تجاه القضايا الأمنية والجهات الفاعلة غير الحكومية، وخاصةً تجاه الکردستانیین، الذين كانوا في طليعة عمليات مكافحة الإرهاب وسدّوا الفجوة الأمنية في ساحات القتال السورية. لا يمكن اعتبار فشل قمة باريس مع مظلوم عبدي محض صدفة، بل هو انعكاس لنمط أوسع من العلاقات العالمية المعقدة، حيث تتداخل المصالح الجيوسياسية مع الاحتياجات الأمنية والتحالفات قصيرة الأجل. إنه اختبار لقدرة الأوروبيين على التمسك بقيمهم في مواجهة ابتزاز الحلفاء الإقليميين، ولا سيما تركيا، التي تُصرّ على استخدام قضية كردستان كابتزاز على الساحة الدولية.
خاص وكالة رياليست – کاوە نادر قادر – باحث ومحلل سياسي – كردستان.