موسكو – (رياليست عربي): تشهد أوكرانيا في هذه الأيام موجة احتجاجية واسعة النطاق تهدد بإعادة البلاد إلى أجواء عام 2014، حيث تخرج حشود غاضبة إلى شوارع كييف ومدن أوكرانية كبرى أخرى معبرة عن سخطها من تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد الحكومي.
هذه الاحتجاجات التي بدأت بشكل عفوي تحولت مع مرور الأيام إلى حركة منظمة تطالب بإصلاحات جذرية في النظام السياسي الأوكراني، وسط مخاوف من أن تؤدي إلى موجة ثورية جديدة تشبه تلك التي غيرت وجه البلاد قبل عقد من الزمن.
الأوضاع الاقتصادية تشكل الوقود الرئيسي لهذه الاحتجاجات، حيث تعاني أوكرانيا من أزمة مالية حادة تفاقمت بسبب استمرار الصراع في الشرق والفساد المستشري في مؤسسات الدولة. التقارير الاقتصادية الرسمية تشير إلى انهيار كبير في قيمة العملة الوطنية، وارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم تجاوز 25%، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير. العائلات الأوكرانية تواجه صعوبات جمة في توفير الاحتياجات الأساسية، بينما تتراجع الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم إلى مستويات خطيرة.
على الجانب السياسي، يبدو الرئيس زيلينسكي عاجزاً عن احتواء الأزمة، رغم الوعود الكثيرة التي قطعها خلال حملته الانتخابية. المحتجون يتهمون حكومته بالفشل الذريع في تحقيق أي من الإصلاحات الموعودة، بل يشيرون إلى تفاقم الفساد وتراجع الحريات العامة. الشارع الأوكراني الذي صوت لزيلينسكي أملاً في التغيير، يبدو الآن أكثر إحباطاً واستياءً من أي وقت مضى.
المشهد الأمني يزداد توتراً يوماً بعد يوم، مع انتشار مكثف لقوات الأمن في المناطق الحيوية، وتصاعد التقارير عن اعتقالات تعسفية واشتباكات متفرقة بين المحتجين والقوات الأمنية. منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بدأت تدق ناقوس الخطر، محذرة من استخدام مفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين.
على الصعيد الدولي، تتابع العواصم العالمية هذه التطورات بقلق بالغ، خاصة في ظل المخاوف من استغلال الأزمة من قبل القوى الإقليمية، ولا سيما روسيا التي لم تخف سعادتها باضطرابات كييف. بعض المحللين يرون في هذه الاحتجاجات فرصة للكرملين لزعزعة الاستقرار في أوكرانيا، بينما يحذر آخرون من أن أي تدخل روسي مباشر قد يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة.
المستقبل القريب لأوكرانيا يبدو غامضاً، فمن ناحية، يبدو الشارع الأوكراني مصمماً على مواصلة احتجاجاته حتى تحقيق المطالب، ومن ناحية أخرى، تبدو الحكومة عاجزة عن تقديم حلول جذرية للأزمة. هذا الجمود السياسي الخطير يهدد بفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، قد تصل إلى حد انهيار كامل للنظام السياسي القائم.
في خضم هذه الأجواء المشحونة، تبرز أسئلة مصيرية حول مستقبل أوكرانيا: هل ستنجح في الخروج من هذه الأزمة عبر حوار وطني شامل؟ أم أنها مقبلة على مرحلة جديدة من الفوضى والاضطرابات؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مصير أوكرانيا، ولكن أيضاً مستقبل الاستقرار في المنطقة بأسرها.
