بكين – (رياليست عربي): في قمة تاريخية تجمع بين قطبين اقتصاديين عملاقين، اجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ في بكين لكتابة فصل جديد من التعاون الاستراتيجي الذي يهدد بقلب موازين القوى الاقتصادية العالمية. هذه القمة التي توصف بأنها “الأكثر أهمية في العقد الحالي”، جاءت في لحظة حاسمة تشهد تحولات جيوسياسية واقتصادية عميقة تهز أركان النظام العالمي التقليدي.
خلال جلسات ماراثونية من المفاوضات، ناقش القائدان خارطة طريق طموحة لدمج مبادرة الحزام والطريق الصينية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي، مما سيخلق أكبر كتلة اقتصادية في العالم تمتد من المحيط الهادئ إلى أوروبا الشرقية. هذا التكامل الاستراتيجي يهدف إلى إقامة شبكة من الممرات التجارية والطاقة والرقمية التي ستغير وجه التجارة العالمية إلى الأبد.
التفاصيل التي تسربت من خلف الكواليس تكشف عن مشاريع ضخمة تشمل بناء خطوط أنابيب غاز جديدة، وشبكات طرق وسكك حديدية متطورة، ومراكز بيانات رقمية عملاقة، ومناطق صناعية ذكية تستخدم أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. هذه المشاريع ستخلق ملايين الوظائف وتضخ تريليونات الدولارات في الاقتصادات المشاركة.
الرئيس بوتين، في كلمة أمام رجال الأعمال من البلدين، أعلن أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين تجاوز 250 مليار دولار قبل الموعد المخطط له، معرباً عن ثقته في الوصول إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030. من جانبه، أكد الرئيس شي أن “هذا التعاون ليس مجرد شراكة اقتصادية، بل هو مصير مشترك يجمع بين أمتين عظيمتين”.
خبراء الاقتصاد الدوليون يحذرون من أن هذا التحالف الاستراتيجي قد يؤدي إلى إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، حيث يعمل البلدان على تعزيز استخدام العملات المحلية في المدفوعات الثنائية وتطوير أنظمة دفع بديلة عن نظام SWIFT الغربي. هذه التطورات قد تقلل من هيمنة الدولار الأمريكي وتخلق نظاماً نقدياً متعدد الأقطاب.
الاجتماع شهد أيضاً الاتفاق على إنشاء صندوق استثماري مشترك برأسمال أولي قدره 100 مليار دولار مخصص لتمويل مشاريع البنية التحتية في الدول النامية، في خطوة واضحة لمنافسة مؤسسات بريتون وودز الغربية. الصندوق سيركز على مشاريع الطاقة النظيفة، النقل المستدام، والتحول الرقمي.
المحللون الاستراتيجيون يرون أن هذه القمة تمثل تحولاً براغماتياً في السياسة الدولية، حيث تتحول روسيا والصين من رد الفعل على السياسات الغربية إلى صياغة أجندة عالمية جديدة تقوم على مبادئ التنمية المشتركة والسيادة الوطنية والتعددية القطبية. هذا التحالف يهدد بإضعاف المؤسسات الدولية التقليدية ويخلق نظاماً عالمياً موازياً.
العلاقات الدفاعية والأمنية شهدت أيضاً تعزيزاً كبيراً، مع توقيع اتفاقيات للتعاون في مجال الأمن السيبراني، الفضاء الخارجي، والذكاء الاصطناعي العسكري. هذه الاتفاقيات تهدف إلى حماية المصالح المشتركة ومواجهة التحديات الأمنية الناشئة في الفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي.
القطاع الخاص في البلدين يستعد لموجة من الفرص الاستثمارية غير المسبوقة، حيث أعلنت كبرى الشركات الروسية والصينية عن استثمارات مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة، السيارات الكهربائية، والرقمنة الصناعية. هذه الشراكة ستخلق سلاسل قيمة إقليمية مستقلة عن الغرب.
ختاماً، بينما يخرج العالم من أزمات متعددة، تظهر هذه الشراكة الاستراتيجية كقوة دافعة لنظام اقتصادي جديد، هذه القمة لن يحدد فقط مستقبل العلاقات الثنائية، بل سيصوغ ملامح النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين. الأسابيع المقبلة ستكشف كيف سيكون رد فعل الغرب على هذه التطورات التي تهدد بتغيير قواعد اللعبة الدولية إلى الأبد.