دمشق – (رياليست عربي): تتجدد المخاوف اليوم من أن يكون ما يجري في السويداء من عمليات تهجير للبدو ليس حدثاً معزولاً، بل تمهيداً لسيناريو أوسع وأكثر خطورة يطال لاحقاً أبناء الطائفة الدرزية في جرمانا وصحنايا. إذا صح هذا الاحتمال، فنحن أمام كارثة وطنية بكل المقاييس، تهدد ما تبقى من النسيج الاجتماعي السوري، وتفتح الباب أمام شبح الحرب الأهلية من جديد.
إن عودة ممارسات التهجير والنزوح والتغيير الديمغرافي التي مارسها نظام الأسد طيلة سنوات الثورة، بدعم مباشر من الميليشيات الطائفية الإيرانية واللبنانية، تمثل طعنة جديدة في خاصرة سوريا الجريحة. وإن السماح بإعادة إنتاج هذا المشهد الكارثي – بصيغة جديدة، وممثلين جدد – لن يكون سوى تكرار لاتفاق المدن الأربعة المشؤوم، والذي لعب فيه “زيد العطار” (الاسم الحركي لأسعد الشيباني وزير الخارجية الحالي في السلطة الانتقالية) دوراً رئيسياً حين كان قيادياً في جبهة النصرة، متحالفاً حينها مع ذات القوى التي مزّقت البلاد.
هل هناك اليوم اتفاق خفي بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، والمبعوث الأمريكي توماس براك، وإسرائيل، لترتيب عملية تهجير ممنهجة؟ أم أن ما يجري هو محض افتراضات لا أساس لها من الصحة؟ هذا السؤال لا يمكن السكوت عنه، ويجب على الحكومة السورية الانتقالية في دمشق أن تخرج عن صمتها، وأن تقدم توضيحات شفافة للرأي العام السوري، بعيداً عن المناورات والغموض.
إن تهجير المواطنين السوريين من البدو – الذين عاشوا أجيالاً متعاقبة في قرى ومدن السويداء – هو تعدٍ فاضح على حقوق المواطنة، وانتهاك صارخ لأبسط القيم الأخلاقية والإنسانية. لا يحق لأي جهة، أياً كانت، أن تطرد الناس من بيوتهم تحت أي ذريعة.
التهجير وصمة عار على جبين كل من ساهم به، أو غض الطرف عنه، أو حاول تبريره. ولا سبيل للخروج من هذا النفق المظلم إلا بإطلاق مشروع مصالحة وطنية حقيقية – لا مجرد “ورشات عمل” شكلية – تقوم على الاعتراف بالأخطاء، وتعويض الضحايا، وفتح مسار جاد للعدالة الانتقالية، ومحاسبة كل من تسبب بدمار المجتمع السوري خلال الأشهر الأخيرة، كما في السنوات التي سبقتها.
إن استمرار العناد، والتعصب، وتبادل الاتهامات، لن يقود إلا إلى تعميق الانقسام، وتأجيج النعرات الطائفية والعنصرية والقبلية، وجر البلاد إلى هاوية جديدة. أما العقل والحكمة، فهما في اعتماد الحوار، واللين، والشفافية، والعودة إلى صوت العقلاء من كل الأطياف.
ألا يوجد في هذه الدولة السورية الجديدة المنتظرة رجل رشيد يسمع؟ هل لا يزال هناك من يرى، ويفهم، ويستوعب حجم ما نحن مقدمون عليه؟
خاص وكالة رياليست – د. ياسين العلي – خبير اقتصادي وناشط سياسي – سوريا.