القاهرة – (رياليست عربي): في 24 أبريل/ الجاري ينطلق السباق الرئاسي الفرنسي بين المرشحين الفائزين في الجولة الأولى وهما: إيمانويل ماكرون الرئيس المنتهية ولايته بنسبة 27.65% والذي يمثل الوسط الفرنسي عن حزب فرنسا إلى الأمام و مارين لوبان بنسبة 23.15% والتي تمثل اليمين الفرنسي عن حزب التجمع الوطني.
في وسط hستقطاب حاد بين الطرفين من اليمين ضد اليسار ومن اليسار ضد اليمين لابد أن نتعرف على المشهد في ظل الإنتخابات من خلال عرض انتماءاتهم وبرنامجهم وأدائهم وكيف يتحرك سلوكهم التصويتي.
إيمانويل ماكرون
أصغر رئيس اعتلى عرش فرنسا في الجمهورية الخامسة، درس في كلية السياسة الدولية والخدمة العامة ونال درجة الماجيستير مرتين في السياسة والفلسفة. إلتحق بالعمل الحكومي في 2004 وعمل كمفتش مالي في وزارة الإقتصاد والمالية ثم مستشار الإقتصاد في مصرف روتشيلد وبعدها شغل منصب أمين عام مساعد قصر الإليزيه والمقرب من رئيس الجمهورية السابق فرانسوا هولاند ثم تولى حقيبة الاقتصاد وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، وركب موجة الوسط بالرغم من عدم اشتغاله بالسياسة في بداية حياته، ثم انفصل عن هولاند بسبب أزمة اللاجئين في 2015 وسوء أداء الاقتصاد ليؤسس حركة سياسية مستقلة باسم فرنسا إلى الأمام وأعلن ترشحه للرئاسة في أواخر 2016. فاز على منافسته لوبان بعد حصوله على 66% من الأصوات، صدّر نفسه على أنه ذلك الشاب المثقف المولع بالتاريخ والأدب والفنون، واستغل السخط الفرنسي على أداء الأحزاب ذات التوجه الإقصائي مثل اليمين واليمين المتطرف واليسار واليسار المتطرف وحتى الأحزاب الهامشية مثل الخضر، وقدم نفسه على أنه الأمل الشاب النيو ليبرالي المحقق للإصلاح والتنمية السياسيين.
مارس سياسة خارجية نشطة جداً مع كافة دوائر العلاقات الفرنسية الخارجية. عادت فرنسا بقوة للقارة الإفريقية؛ حيث مثلت بلاده أحد أكبر رعاة المصالحة في ليبيا، كما تعاون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واللذان تشاركا في العديد من أهداف السياسة الخارجية خاصة تلك التي تتعلق بالموقف في ليبيا وقاما بعمليات نوعية مشتركة لمحاربة الإرهاب، كما طور العلاقات المصرية الفرنسية إلى مستوى غير مسبوق في مجالات التسليح والاستثمار و التكنولوجيا. كان أول المؤيدين لإعلان القاهرة الذي أوقف التمدد التركي في الشرق الليبي وبداية التفاوض على إجلاء المرتزقة منها. تلقت مصر من فرنسا في فترة توليه حقيبة الإقتصاد ثم رئاسته للجمهورية في الفترة من 2015 وحتى 2021، نحو 20% من صادرات السلاح الفرنسية بقيمة 5.2 مليار يورو. كانت أبرز تلك الصفقات شراء مقاتلات الرافال فخر الصناعة الفرنسية التي كانت تحلم بنشرها في الشرق الأوسط.
قدم ماكرون الدولة الفرنسية بوجه شاب حريص على تنقية الذاكرة المشتركة، فكانت حلاً لطلسم العلاقات الفرنسية الجزائرية المعقدة. كما غازل بعباراته المأثورة وخطاباته الرنانة الشباب الإفريقي في مختلف بلدان إفريقيا معترفا بالاستعمار لكنه في نفس الوقت رافضاً الاعتذار عن أخطاء الماضي من فرنسا تجاه أجدادهم.
رأينا فرنسا في لبنان من جديد كشريك أحادي متسيد الأزمة. تراقص بخفة سياسية داخل الإتحاد الأوروبي ليحقق اندماجاً دبلوماسياً مع ألمانيا بعيداً عن التنافس وقريباً من التوأمة في المواقف، وشهدت أيضاً العلاقات الفرنسية في عهده تناغماً مع الإدارات الأمريكية المختلفة لا ينفي التنافس، وتألقت وساطته الشخصية في الحرب الأوكرانية بالرغم من إقرار عقوبات نافذة حيال الإقتصاد الروسي.
تخللت فترة رئاسته الكثير من الأزمات العاصفة أبرزها كانت إندلاع احتجاجات السترات الصفراء التي كانت واحدة من أطول وأعنف موجات الإحتجاجات العنيفة بسبب قانون التقاعد وارتفاع الضرائب، ثم تلتها أزمة كورونا التي كانت الضربة القاسمة للعالم كله وكبدت الإقتصاد الفرنسي خسائر فادحة وتم التعامل فيها بقوانين واجراءات شديدة الصرامة تسببت في غلق الأعمال وتشريد الآلاف من العمال، ثم أزمة ماكرون مع المسلمين وتصاعداً كبيراً للإسلاموفوبيا في ولايته، وأخيراً أزمة الحرب الأوكرانية الروسية ودوره في الوساطة بين الأطراف خصوصاً بعد أن أصبح الزعيم السياسي الحركي للإتحاد الأوربي بعد خروج المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل من المشهد.
وعد ماكرون الناخبين في مناظرته أمام لوبان بمكافحة البطالة وتطبيق حد أدنى للمعاشات لا يقل عن 1100 يورو، وألا يكون هناك زيادة في الضرائب ولا الديون. كما وعد برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 يورو بالنسبة للمدرسين وإنتداب 50 ألف ممرض وزيادة إنتداب 15 ألف بجهاز الشرطة ورفع ميزانية القضاء إلى 30% وتعيين محققين خاصين للأمن السيبراني. ووعد بمواصلة التباحث مع روسيا للوصول لحل للأزمة الأوكرانية مع مواصلة العقوبات كما تغلب الملف الخارجي على دعايته الإنتخابية والتي إعتمدت بشكل كبير على اسلوب رفع الروح القومية الفرنسية.
مارين لوبان
منذ نعومة أظفارها، كانت قد دخلت ابنة جون ماري لوبان رئيس ومؤسس حزب الجبهة الوطنية حزب اليمين المتطرف عالم السياسة. درست القانون وتخصصت للدفاع عن والدها. في 1998 انتخبت كمستشارة في محافظة نورباد كاليه. أصبحت عضواً في البرلمان الأوروبي عام 2004، وفي عام 2011 أصبحت الزعيمة الفعلية للحزب حيث ترأست جمعية “أجيال لوبان” من أجل تحسين صورة الحزب في المجتمع وتبنت سياسة توسعية مكنتها من تحقيق عدد من المقاعد النيابية غير مسبوقة، كما تقلد أعضاء الحزب أيضاً وظائف قيادية بالحكومة وعشرات البلديات الفرنسية، ثم عملت على حصر دور والدها في الحزب إلى أن اقصته بعيداً عن السياسة نهائياً وغيرت اسم الحزب ليكون اسمه حزب التجمع الوطني.
ترشحت مارين لوبان للانتخابات الرئاسية عام 2012، وحصلت على 17.90 في المئة من الأصوات وهي نتيجة تعد خطوة مهمة للحزب، إذ أن أفضل نتيجة حققها والدها هي 16.86 في المئة من الأصوات، في انتخابات الرئاسة عام 2002.
حققت انتصارات انتخابية ساحقة في الحيز الإقليمي بتشكيلها عام 2015 كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي باسم “أوروبا الأمم والحريات” وانضمت إليها أحزاب رابطة الشمال الإيطالي، وحزب الحرية النمساوي، وحزب الحرية الهولندي، وفلامز بيلانغ البلجيكي، والنائبة “جانيس أتكينسون” المبعدة من حزب يوكيب البريطاني، مما أكسبها شهرة في الأوساط الاوروبية والفرنسية على حد سواء، ثم ترشحت في جولة الإنتخابات الرئاسية عام 2017 ووصلت للجولة النهائية ثم خسرتها أمام الرئيس الحالي و منافسها في دورة 2022 إيمانويل ماكرون.
عُرفت بمواقفها المعادية للهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفوري لكل من يقيم في فرنسا بصفة غير قانونية. اتُهمت بالعنصرية نظراً لتصريحاتها المتكررة ضد الأجانب وتعهداتها بوقف بناء الجوامع ومنع الحجاب والطاقية اليهودية وهي من قالت أن جدتها مصرية من صعيد مصر، وكانت تصف نفسها بطائر الفينيق الذي ينهض من رماده.
كانت لوبان تدعوا إلى الخروج من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي، وأكدت على ضرورة تبني خطاباً واقعياً حيال الجزائر خالياً من العقد، في نفس الوقت التي تخللت دعايتها الإنتخابية العديد من الإشارات لرغبتها في إقامة علاقات ممتدة مع المغرب، الأمر الذي من شأنه عرقلة ملف العلاقات الفرنسية الجزائرية الشائك. أعلنت لوبان عن نيتها في فك الإرتباط الفرنسي الألماني في مجال التسلح وأطلقت عليه تعبير “الخلاف الإستراتيجي العميق مع برلين” واقرت بأنها ستوقف دعم فرنسا لألمانيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. لم تكتفِ بإعلان التحدي مع ألمانيا بل تطورت لإعلان تبني سياسة الندية الصريحة مع الصين. أما فيما يخص العلاقات الأطلسية فهي تنوي الإنسحاب من القيادة المشتركة للعمليات والتقارب الأطلسي مع روسيا فور الإنتهاء من الحرب الأوكرانية وإحلال السلام.
أتهمت لوبان بالتبعية لموسكو وبوتين باعتبار أنها تحصلت على قرض بـ9 مليون يورو من بنك روسي سنة 2014. لوبان أكدت من جهتها أنها تؤيد “أوكرانيا حرة” ومستقلة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تعرف بميلها للمعسكر الروسي وتقاربها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، والأمر الذي من الممكن أن يعرضها للتصويت العقابي تعاطفاً مع أوكرانيا.
وعدت لوبان الناخبين في المناظرة العلنية مع ماكرون بإعفاء من هم دون سن الثلاثين من ضريبة الدخل، واقترحت سيدة اليمين تحرك تدريجي في سن التقاعد لتصل في سن 62 عام، وهي أيضاً ترى أن الوضع في البلاد سيئ جداً داعية إلى حل معضلة “الهجرة الفوضوية” التي تسببت في تدهور الوضع في البلاد واقترحت إمكانية عمل إستفتاء للشعب الفرنسي للتصويت على طرد المجرمين والمنحرفين الأجانب والتخلي عن حق الأرض ووضع حد لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين وإصلاح نظام الفيزا الأوروبية الموحدة “شينغن”، داعية إلى مزيد من الحزم في مجال العدالة وزيادة تسليح الشرطة. وعدت الناخبين بأنها ستعمل على تخفيض ضريبة القيمة المضافة على الطاقة من 20% إلى 5% فقط. كما أصرت على إعادة الدراسة بشكلها المنتظم في أقرب وقت بينما رفضت الإدلاء بخطتها لرفع رواتب المدرسين. حملت لوبان على عاتقها ورقة الأوضاع الداخلية وكانت ورقة القدرة الشرائية هى الرابحة في رهانها أمام ماكرون.
المرشحان ومواقفهم مع المسلمين
يشكل المسلمون أكبر جالية صغيرة في المجتمع الفرنسي بواقع 6 مليون نسمة بنسبة تقارب الـ 10% من السكان. في بداية ولايته، كان ماكرون يختلف مع السياسيين الذين يتهمون الإسلام بأنه دين يخالف الواقع السياسي الفرنسي لكن بعد خمسة أشهر من ولايته اعتمد البرلمان قانوناً لمكافحة الإرهاب يعزز سلطات الشرطة ويسهل إغلاق المساجد. أغضب ماكرون الجالية المسلمة عقب أحداث إغتيال المعلم صامويل باتي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بسبب عرض المدرس لرسومات مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بأحد المدارس الثانوية.
ماكرون كان جريئاً في حديثه، ليس فقط عن المسلمين كأشخاص، بل امتد حديثه ليشمل الإسلام كدين وقال جملة زلزلت المسلمين في كل الدنيا وهي “الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في كل العالم” وهو أيضاً صاحب مصطلح “الانفصالية الإسلامية” الذي أصدر على إثره قانون مكافحة الإنفصالية وفرض قيود واسعة على الجالية الإسلامية ومنظماتها ومكن الحكومة من وضع أياديها على المساجد بدون اللجوء للقضاء، وبحسب تقارير منشورة تم عمل فحص شمل 24 ألف مقر اشتبهوا أنهم انفصاليين وكانت حصيلة الفحص غلق 718 مؤسسة من بينهم 22 مسجداً وفصل 36 إماماً ورصدت اللجنة الفرنسية لحقوق الإنسان تصاعداً في أعمال عدائية ضد المسلمين في 2020 بنسبة 52% عن عام 2019 كان من ضمنها انتشار الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة للمسلمين على المباني الحكومية الفرنسية. طالت التضييقات قيوداً واسعة جداً على الحجاب في المسابقات الرياضية والوظائف والرحلات المدرسية بخلاف مناقشة مشروع قانون لتحديد سن الحجاب، وفي 2022 شكلت الحكومة الفرنسية هيئة إسلامية جديدة بديلاً للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، تختار الحكومة جميع أعضائها تكون مهمتها إعادة تشكيل الإسلام في فرنسا.
أما مارين لوبان فكانت أشد بطشاً وهي لم تخط إلى الإليزيه بعد، وعرف عنها مواقفها المعادية للإسلام وصرحت نصاً “غداً سيكون الحجاب محظوراً في الأماكن العامة” ووصفت المسلمين بـ “السرطان الإسلامي” الذي يجب على الحكومة الفرنسية محاربته. وشمل برنامجها الإنتخابي مشروع قانون “محاربة الأيديولوجيا الاستبدادية الإسلاموية” وأكدت على ضرورة حظر تداول الأيدولوجيات الإسلامية في فرنسا.
وبذلك العرض نكون قد توصلنا إلى حالة الحيرة التي يعيشها الناخب الفرنسي ولاسيما الناخب المسلم أمام اختيارين شديدي التشابه حيث أن الديموقراطية المنتخبة في الحالة الفرنسية نسخة 2022 وإن إختلفت المسميات وتباينت التوجهات السياسية المعلنة، إلا أنها سهلت وصول مرشحين يحملان أجندة بها نفس البنود والمقترحات مع اختلافات تكاد تكون أشبه بالرتوش الطفيفة. كلا المرشحين تعرضت حملته للمظاهرات المضادة لسياساته ومرجعيته في العديد من البلدان الفرنسية، وكلاهما أيضاً لم يجد من الحلول السياسية ما يفي بطموحات المجتمع الفرنسي في هذه الآونة من عمر الأزمة العالمية، فعدو الأمس إيمانويل ماكرون الذي قامت ضده حروب ضروس منذ العام 2020 على مواقع الإنترنت وقُطعت حبال الود في الهاشتاغات وسِيقت حملات المقاطعة ضد المنتجات الفرنسية بسببه، هو اليوم المرفأ الوحيد أمام طوفان توجه مارين لوبان اليميني المتطرف الذي يعدهم بالترحيل أو الإضطهاد وربما مزيداً من الإقصاء في حالة لجوءهم لدول أوروبية بديلة تعيش صعود لليمينة المتطرفة كرد فعل لتصاعد الإسلاموفوبيا المضاد وتزيد من الإجراءات المتشددة حيال اللاجئين وخصوصاً المسلمين منهم.
خاص وكالة رياليست – شيرين هلال – باحثة في الشؤون الدولية – مصر.