موسكو – (رياليست عربي): في ظل تصاعد حدة الحرب الأوكرانية واشتداد الخناق العسكري على الجبهات، تطفو على السطح تساؤلات مصيرية حول إمكانية حدوث تغيير في القيادة الأوكرانية قد يمهد الطريق نحو حل سياسي للأزمة.
المشهد الحالي في كييف يشهد حالة من التصدع السياسي غير المسبوق، حيث تتعالى الأصوات المنادية بإعادة تقييم استراتيجية المواجهة مع روسيا، خاصة بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الصراع الذي أزهق أرواح مئات الآلاف ودمر البنية التحتية للبلاد.
المتابعون للشأن الأوكراني يلاحظون تزايد الحديث في الأوساط السياسية والدبلوماسية عن إمكانية استبدال الرئيس فولوديمير زيلينسكي بوجوه جديدة، يأتي في مقدمتها الجنرال فاليري زالوجني القائد السابق للقوات المسلحة الأوكرانية. هذه التكهنات تكتسب زخماً في ظل التحديات الميدانية التي يواجهها الجيش الأوكراني، والتي تجلت بوضوح في فقدان عدد من المواقع الاستراتيجية شرقي البلاد، وصعوبات الحصول على الدعم العسكري الغربي بالسرعة والكمية المطلوبة.
المحللون العسكريون يشيرون إلى أن أي تغيير قيادي في كييف سيواجه معضلات وجودية، فمن ناحية سيتعين على القيادة الجديدة أن توازن بين الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وضرورات إنهاء الصراع الدامي، ومن ناحية أخرى ستكون أمام خيارات صعبة بشأن الموقف من المفاوضات مع موسكو. الوضع يزداد تعقيداً مع تباين المواقف الدولية، حيث تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون منقسمين بين دعمهم الثابت لأوكرانيا ومخاوفهم من استمرار تصاعد كلفة الحرب البشرية والمادية.
في الجانب الروسي، تتابع القيادة في الكرملين هذه التطورات باهتمام بالغ، مع إشارات متضاربة حول استعدادها للتفاوض مع قيادة أوكرانية جديدة. مصادر دبلوماسية غربية تشير إلى أن موسكو قد تكون أكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية مع وجوه سياسية وعسكرية جديدة، بعيداً عن الشخصيات التي ارتبطت بمرحلة التصعيد العسكري. إلا أن خبراء الشؤون الروسية يحذرون من أن أي مفاوضات ستكون محفوفة بالمخاطر، حيث تصر موسكو على ضم الأراضي التي تحتلها عسكرياً كشرط مسبق لأي اتفاقية سلام.
على الصعيد الداخلي الأوكراني، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية زيلينسكي، خاصة بعد قرارات التعبئة العامة الأخيرة التي أثارت استياءً واسعاً بين الأوساط الشعبية. المعارضة الأوكرانية تزداد جرأة في انتقاد أداء الحكومة، مع اتهامات بضعف الإدارة العسكرية والفساد المستشري في بعض المؤسسات. هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة مواتية لتحول سياسي قد يكون الأكثر دراماتيكية منذ بداية الحرب.
المجتمع الدولي يتابع هذه التطورات بقلق بالغ، فبينما تبدو بعض العواصم الغربية مستعدة لقبول قيادة أوكرانية جديدة إذا ما جاءت عبر عملية ديمقراطية، فإن هناك مخاوف من أن يؤدي أي تغيير مفاجئ إلى فراغ سياسي قد تستغله موسكو لتعزيز مكاسبها العسكرية. في المقابل، تزداد الدعوات من بعض الدول النامية والحيادية للضغط نحو حل سياسي يوقف نزيف الدماء ويحفظ ما تبقى من سيادة أوكرانيا.
التحدي الأكبر الذي سيواجه أي قيادة أوكرانية جديدة يتمثل في كيفية تحقيق معادلة مستحيلة تقريباً: إيقاف الحرب دون التنازل عن المكاسب الوطنية، وإعادة الإعمار مع الحفاظ على الاستقلال السياسي، وإرضاء الحلفاء الغربيين مع عدم استفزاز روسيا بشكل مبالغ فيه. هذه المعادلة الصعبة تجعل من أي تغيير قيادي في كييف محفوفاً بالمخاطر وغير مضمون النتائج، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي.