بغداد – (رياليست عربي): تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا قد يكون الأخطر منذ سنوات، حيث رفعت الولايات المتحدة وإيران مستوى التأهب العسكري والدبلوماسي بشكل غير مسبوق، على خلفية تقارير استخباراتية تفيد بأن إسرائيل تدرس توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى المنشآت النووية الإيرانية.
تأتي هذه التطورات في ظل شلل المفاوضات النووية وبلوغ طهران مراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم، بينما تتصاعد التحذيرات من حرب إقليمية شاملة قد تطال دولًا عديدة ومصالح استراتيجية كبرى.
واشنطن بدأت بالفعل إجلاء موظفين غير أساسيين من سفاراتها في بغداد والمنامة والدوحة والكويت، بينما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن جاهزية قواتها في الخليج والعراق لتنفيذ عمليات إخلاء واسعة أو الرد على هجمات محتملة.
تعكس التحركات الأمريكية مخاوف حقيقية من استهداف قواعدها في حال وقوع هجوم إسرائيلي على إيران، وهو ما أكده مسؤولون إيرانيون علنًا، محذرين من أن الرد الإيراني لن يقتصر على إسرائيل فحسب، بل قد يشمل القوات الأمريكية ومصالحها في المنطقة.
بالتوازي، يعيش الشارع الإسرائيلي حالة استنفار أمني وسط توقعات بتوسع الجبهة لتشمل حزب الله في لبنان أو حتى الفصائل المسلحة في سوريا وغزة.
يحدث كل هذا في ظل فشل جولات التفاوض في سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، حيث لم تحقق الجولة الأخيرة أي تقدم يُذكر بسبب تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم ورفضها الالتزام بقيود إضافية على برنامجها النووي، فيما تصر واشنطن على الرقابة الصارمة كشرط لتخفيف العقوبات.
من جهتها، ترى إيران أن أي تراجع دون مكاسب استراتيجية واقتصادية سيُفسر على أنه ضعف داخلي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتحديات السياسية الداخلية، كما تعوّل على دعم موسكو وبكين كورقة ضغط دولية في مواجهة واشنطن.
في المقابل، لا ترغب الولايات المتحدة في الانجرار إلى مواجهة عسكرية مفتوحة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنها تدرك أن ضبط الحلفاء، وعلى رأسهم إسرائيل، أصبح أكثر صعوبة.
أما إسرائيل، فترى أن النافذة تُغلق أمام قدرتها على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وتعتبر أن العمل العسكري هو “الخيار الوحيد المتبقي”، حتى لو أدى إلى تصعيد شامل.
في حال وقعت الضربة، فإن السيناريوهات المتوقعة تتراوح بين مواجهة محدودة تشمل مواقع نووية محددة ورد إيراني محسوب، وبين تصعيد كبير ينخرط فيه حزب الله والجماعات المسلحة في العراق وسوريا واليمن، ما يهدد بتحول المنطقة إلى ساحة حرب متعددة الجبهات.
من الناحية الاقتصادية، بدأت الأسواق تتفاعل مع التهديدات؛ فارتفعت أسعار النفط بنحو 5% وسط مخاوف من إغلاق مضيق هرمز أو استهداف منشآت نفطية في الخليج. كما ارتفع سعر الذهب بشكل ملحوظ، بينما يشهد الدولار والين تحركات غير مستقرة بسبب المضاربات المالية المرتبطة بتوقعات الحرب.
أما الملاحة الدولية في الخليج وبحر العرب، فهي تحت التهديد أيضًا، مع تحذيرات دولية من أعمال تخريب تستهدف ناقلات نفط أو سفن تجارية، ما قد يؤدي إلى أزمة طاقة عالمية إذا تفاقم الوضع.
العراق، الذي يضم وجودًا عسكريًا ودبلوماسيًا أمريكيًا كبيرًا، يعيش حالة ترقب شديدة، خاصة بعد إعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها للرد في حال اندلاع مواجهة مع إيران.
تسعى الحكومة العراقية إلى احتواء التوتر، وتراهن على دورها التقليدي كوسيط بين طهران وواشنطن، وهو الدور الذي نجحت في لعبه سابقًا بمساعدة قطر وعُمان.
في ظل هذا المشهد المعقد، تبدو المنطقة على حافة “الاختبار الأعظم”، حيث إما أن تنجح الجهود الدبلوماسية في تفكيك الأزمة عبر وساطات نشطة تعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات، أو أن خطأ في الحسابات أو هجومًا استباقيًا سيُشعل فتيل مواجهة كبرى قد تمتد من الخليج إلى المتوسط.
ورغم إدراك جميع الأطراف لحجم الكلفة، فإن تراكم الأزمات وغياب الثقة قد يؤديان إلى الانفجار. لذا، أصبحت الحاجة إلى تدخل دولي عاجل وتكثيف الوساطات من قبل عُمان وقطر وتركيا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
الشرق الأوسط اليوم لا يملك ترف المغامرة، فكل خطوة غير محسوبة قد تفتح أبواب الجحيم على الجميع.
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب ومحلل وباحث سياسي – العراق.