كيشنيناو – (رياليست عربي): تشهد مولدوفا استحقاقاً انتخابياً مهماً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 20 أكتوبر 2025، والتي تأتي في ظل ظروف سياسية واقتصادية استثنائية تزيد من حدّة التنافس بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد.
هذه الانتخابات التي توصف بأنها “أهم استحقاق منذ استقلال البلاد” ستحدد مستقبل مولدوفا بين التوجه نحو الغرب أو تعزيز العلاقات مع روسيا، في وقت تعاني فيه من أزمات اقتصادية طاحنة وتدخلات خارجية متزايدة.
المشهد الانتخابي الحالي يهيمن عليه تحالفان رئيسيان: من جهة “حزب العمل والتضامن” الموال للغرب بزعامة الرئيسة الحالية مايا ساندو، ومن جهة أخرى “حزب الاشتراكيين” المدعوم من موسكو بقيادة إيغور دودون. استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى سباق محتدم بين التحالفين، مع تقدم طفيف لصالح الموالين للغرب بنسبة 38% مقابل 35% للموالين لروسيا، فيما تتناثر النسب المتبقية بين أحزاب صغيرة أخرى.
العامل الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في هذه الانتخابات، حيث يعاني المواطن المولدوفي من ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 22%، وتراجع قيمة العملة الوطنية بنحو 30% منذ بداية العام، بالإضافة إلى أزمة طاقة خانقة نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار الغاز المستورد. المراقبون يلاحظون أن القضايا المعيشية اليومية مثل أسعار الغذاء والوقود والكهرباء أصبحت المحرك الرئيسي لخيارات الناخبين، متجاوزةً في كثير من الأحيان الانتماءات الأيديولوجية التقليدية.
على الصعيد الجيوسياسي، تزداد حدة التنافس بين القوى الدولية على التأثير في مسار الانتخابات. فبينما تعهد الاتحاد الأوروبي بزيادة مساعداته لمولدوفا في حال فوز القوى الموالية له، حذرت روسيا من “عواقب وخيمة” على العلاقات الثنائية إذا ما وصلت الأحزاب المعادية لها إلى السلطة. هذه التدخلات الخارجية تزيد من حدة الاستقطاب الداخلي، حيث يتهم كل طرف خصومه بالعمالة للأجنبي وتبني أجندات خارجية.
من الناحية الديمقراطية، تشهد الحملة الانتخابية انتقادات متزايدة حول نزاهة العملية الانتخابية. منظمات المجتمع المحلية أعربت عن قلقها إزاء تقارير عن تزايد الضغوط على وسائل الإعلام، واستخدام المال السياسي المشبوه، ومحاولات التضييق على المعارضين. الرئيسة ساندو تدعي أن الإصلاحات التي قامت بها في القضاء والانتخابات تضمن نزاهة التصويت، بينما يرى خصومها أن هذه الإصلاحات مجرد ذريعة لتصفية الخصوم وتزوير الإرادة الشعبية.
المفارقة تكمن في أن كلا المعسكرين الرئيسيين يتبنيان خطاباً إصلاحياً ويعدان بـ”إنقاذ مولدوفا”، لكن بطرق متعارضة جذرياً. فبينما يعد الموالون للغرب بمزيد من الاندماج الأوروبي والشفافية ومكافحة الفساد، يروج الموالون لروسيا لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع موسكو وحل الأزمات المعيشية عبر إبرام صفقات طاقة مميزة.
في ظل هذه الظروف المعقدة، يرى محللون أن نسبة المشاركة الانتخابية ستكون العامل الحاسم في تحديد النتائج. فبينما يسعى كل معسكر إلى حشد قواعده الشعبية، تنتشر بين قطاعات واسعة من الناخبين حالة من الإحباط واللامبالاة، يعبر عنها شعار “كلهم سواء” الذي يرفعه كثيرون من الذين فقدوا الثقة في كل الأحزاب السياسية.
ختاماً، تواجه مولدوفا في هذه الانتخابات مفترق طرق تاريخي قد يحدد مسارها لعقود قادمة. فبين خيار الاندماج في المشروع الأوروبي أو العودة إلى الحضن الروسي، وبين وعود الإصلاح الاقتصادي ومخاطر الاستقطاب السياسي، يبدو أن الشعب المولدوفي مقبل على أحد أصعب الخيارات في تاريخه الحديث. النتائج لن تؤثر فقط على التوازنات الداخلية، بل ستكون لها انعكاسات إقليمية ودولية واسعة في منطقة بالغة الحساسية الجيوسياسية.
