باريس – (رياليست عربي): استمعت إلى حديث خبير اقتصادي عمل ويعمل في مؤسسات عالمية، الذي أصبحت تجده يدلي بأحاديث ليل نهار، لدرجة أنني ظننت أني لو فتحت الصنبور لوجدته ينزل منها! فهل هو يسعى ليتبوأ منصب رئيس صندوق النقد الدولي خلفًا للمديرة الحالية السيدة كريستالينا جورجييفا؟
أم أنه يحلم ويسعى للحصول على جائزة “نوبل في الاقتصاد”؟ فهذا حق مشروع للجميع، ولما لا؟ فالرئيس الأمريكي يحلم بالحصول على جائزة نوبل للسلام، ويتسابق كثيرون لترشيحه لها لنيل رضاه.
ففي حديث له مؤخرًا، حيث حل ضيفًا على بودكاست، أفصح الرجل أنه مع أن يقود القطاع الخاص اقتصاد الدول بنسبة مائة في المائة، وأن إدارة الدولة للاقتصاد هي إدارة فاشلة: تتسم بالبطء والبيروقراطية، وعدم الدراسة، وسوء الإدارة، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وغيرها من المساوئ والسلبيات التي لا تُعد ولا تُحصى (وهذا ما أسمعه من أغلب رجال الأعمال في الآونة الأخيرة).
أولًا: أطرح سؤالًا بديهيًا، هل هذا منطق رجل اقتصاد وخبير وباحث ودارس؟ وهو يعلم جيدًا أن أبسط قواعد البحث والمنهج العلمي هي الحيادية التامة، وإن كنت متحيزًا لرأي مختلف، فإن العدالة والأمانة العلمية تقتضي عرض كل الآراء وعدم التوقف عند جانب واحد فقط، خاصة وأن التحيز للقطاع الخاص هي سياسة واستراتيجية المؤسسات المالية المانحة منذ زمن، ونتائجها في الغالب كانت كارثية.
ثانيًا: نعم، يجب أن يلعب القطاع الخاص دورًا ويشارك في إدارة السياسات الاقتصادية والمالية وغيرها مع حكومات الدول، ولكن بمحددات وقواعد لا تخل بالتوافق والتوازن بين القطاعين العام والخاص، وعدم تغول أحدهما على الآخر، ومراعاة البعد الاجتماعي وعدم النظر فقط لهدف الربح والمغالاة فيه، بل الربح العادل المقبول من أغلب المستهلكين، وخاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فليس كل المجتمع من الأغنياء ورجال الأعمال.
ثالثًا: اقتصاد الدول لا يقوم فقط على القطاع الحكومي، وأيضًا فهو لا يقوم على القطاع الخاص فقط، والاقتصاد السليم والصحيح هو القائم على دعائم كلا القطاعين، معهما أيضًا القطاع المشترك والقطاع التعاوني، والتنوع بين القطاعات.
رابعًا: على الحكومات إيجاد المعادلة والخُلطة السحرية الناجحة والفعالة، والمزيج بينهما القادر على تطوير وتنمية وتسريع اقتصاد الدولة في قطاعات ومجالات وأنشطة اقتصادية مختلفة ومتنوعة، فكلها مثل أجنحة الطائرة أو مجاديف قارب الدولة، تساعدها على أداء وتحقيق سياساتها وأهدافها الاقتصادية بفاعلية ونجاح، وأداء متقدم ومتطور، يحظى برضا المواطن.
خامسًا: إن القطاع الحكومي له نجاحات كبيرة ولا غنى عنه، ومن ينادي بضرورة تنحي القطاع العام لصالح القطاع الخاص، هو رأي غير منصف وغير عادل وبعيد كل البعد عن الأمانة العلمية والمهنية الصادقة. وكذلك، فإن القطاع الخاص مليء بالأمثلة غير الناجحة والفاشلة، وذلك بجانب ما له من نماذج ناجحة. وأن القطاع العام الحكومي يعاني من سوء الإدارة بسبب تراكمات يعلمها الخبير الاقتصادي جيدًا، فقد كان مسؤولًا عن ملف القطاع العام في فترة من الزمن، ولم يحقق أي نجاح يذكر.
سادسًا: إن معظم رجال الأعمال والذين على رأس القمم الإدارية (وأبناؤهم اليوم) في أغلب القطاع الخاص، هم من أبناء مدرسة القطاع العام الحكومي.
وأخيرًا، اقتصاد الدول لا يقوم فقط على قطاع على حساب قطاع آخر، وإن الحل الصحيح الفعال هو قدرة الحكومات على إيجاد المزيج والتوافق والتنسيق والتنظيم والتناغم بين تلك القطاعات، وصياغة السياسات التي تتوافق مع ظروفها وإمكانياتها وما تمتلكه من قدرات ومزايا تنافسية. ليس بالقطاع الخاص وحده تنهض الأمم.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا
