باريس – (رياليست عربي): الفشل ليس خطيئة، وليس جريمة، ولكنه الوجه الآخر للنجاح، وهو وفقاً للقواعد والمفاهيم العلمية المتعارف عليها في كل المجالات “أنه ليس هناك نجاح دائم أو مستمر أو متواصل.. كذلك ليس هناك فشل دائم أو مستمر”.
ولكن عليك في نهاية المهمة إجراء الخطوات التالية للاستفادة من مما بذل من جهد ووقت وأموال:
هذه الخطوات والمراحل هي استخراج واستخلاص النتائج، التحليل، الوقوف على نقاط القوة والضعف أو الإيجابيات والسلبيات، المقارنة، الوقوف على الفرص والتهديدات، وضع الحلول والبدائل، إستقطاب العناصر البشرية القادرة على التنفيذ، بعد توفير الظروف والمناخ المناسب والملائم.
النجاح له عناصر وعوامل يلزم توافرها، وكذلك الفشل، هناك عوامل وظروف ومناخ وعوامل أدت وساعدت على الوصول إلى الفشل والإخفاق في تحقيق الهدف النهائي.
عندم تحقيق الهدف النهائي المستهدف، يجب ألا ننظر إليه على أنه فشل، بل يجب أن ننظر إليه على أنه بداية النجاح، كما أن الأخذ بالأسباب والقواعد والأسلوب العلمي، والتعلم والاستفادة من تجاربنا وخبراتنا الذاتية وكذلك من تجارب الآخرين، حيث سأستعرض معكم التجربة الفرنسية مع المدرب الفرنسي”إيمي جاكيه” والذي حصل معهم على أول بطولة لكأس العالم في 1998.
الأسطورة “إيمي جاكيه”
ولد إيمي جاكيه في مقاطعة لوار الفرنسية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1941، بدأ مسيرته الرياضية لاعباً هاوياً في صفوف الفريق المحلي كوزان في الفترة المسائية بينما كان يعمل صباحاً في المصنع، أرسل مسؤولو نادي سانت إتيان كاشفو المواهب للتأكد من مستواه وأدائه وبعد أن أذهلهم انضم إليهم في سنة 1959 ووقع على أول عقد احترافي في سنة 1961، خلال وجوده في نادي سانت إتيان استطاع صنع شهرة كبيرة بقيادته للفريق لتحقيق 5 بطولات الدوري الفرنسي في دوري درجة أولى و3 بطولات كأس فرنسا في خلال 11 سنة أمضاها في النادي.
أيضاً لعب لصالح منتخب فرنسا ولكنه لم يستطع أن يبهر الجميع بسبب تواضع مستويات المنتخب الفرنسي في تلك الفترة، في سنة 1973 قرر مغادرة نادي سانت إتيان إلى غريمه نادي ليون وفي هذا النادي الأخير أنهى مسيرته الرياضية كلاعب.
بداية مهمة التدريب
قام جاكيه بتدريب نادي ليون مباشرة بعد اعتزاله مما أكسبه بعض الخبرة التي استثمرها في تطوير نادي بوردو في حقبة الثمانينات حيث قادهم لتحقيق بطولة دوري الدرجة الأولى 3 مرات، بطولتي كأس فرنسا، والوصول إلى الدور النصف النهائي في البطولات الأوروبية ومرة واحدة إلى الدور الربع النهائي، ثم قرر جاكيه ترك نادي بوردو بعد خلافه مع رئيس النادي كلود بيز وقرر أن يجرب مهاراته التدريبية في أندية متواضعة مثل نادي مونبلييه مونبلييه و نادي نانسي نانسي.
في سنة 1991 وافق على الانضمام إلى المركز الوطني التقني، وفي سنة 1992 تم تعيينه مساعداً لمدرب منتخب فرنسا آنذاك جيرارد هولييه.
ثقافة.. كيف نجعل من الفشل بداية للنجاح؟
بعدما فشل منتخب فرنسا في التأهل إلى نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 1994 كأس العالم 1994 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية على حساب منتخب بلغاريا لكرة القدم منتخب بلغاريا فقد تم اختيار”جاكيه ” ليكون مدرباً جديداً للمنتخب الفرنسي “بصفة مؤقتة” (كان يبلغ من العمر 53 عاماً) إلى أن يثبت جدارته من خلال المباريات الدولية الودية التي سيقود فيها المنتخب، نتيجة لتحقيق العديد من النتائج الإيجابية أبرزها التغلب على منتخب إيطاليا لكرة القدم في عقر داره مدينة نابولي في 1994 فإن اتحاد فرنسا لكرة القدم الاتحاد الفرنسي لكرة القدم “قرر تثبيت جاكيه في منصبه”.
قرر جاكيه اختيار إيريك كانتونا (وهو لاعب ضخم وقوي البنية لعب أغلب الوقت في الدوري الانجليزي، وكان يتسم بالعنف المفرط والعصبية) قائداً لمنتخب فرنسا وأن يكون صانع ألعاب المنتخب الجديد خصوصاً أنه نجح في التألق في الملاعب الإنجليزية في صفوف فريق مانشستر يونايتد، ولكن بسبب الحادثة الشهيرة بركله أحد مشجعي نادي كريستال بالاس في 1995 فقد تم توقيفه لمدة طويلة.
بسبب أن كانتونا كان صانع ألعاب المنتخب فقد اضطر جاكيه إلى القيام بتغييرات كبيرة في طريقة اللعب وقرر تجديد دماء منتخب فرنسا بدعوة لاعبين شبان أمثال زين الدين زيدان وآخرون وفي المقابل الاستغناء عن اللاعبين المخضرمين كانتونا، دافيد جينولا، و جان بيير بابان، ثم قرار جاكيه الأخير جعل مشجعي منتخب فرنسا يعضون أصابع الندم على اختياره لتدريب منتخبهم ولكنه نجح في التأهل إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 1996 بطولة كأس الأمم الأوروبية 1996 التي أقيمت في إنجلترا.
وفي البطولة الأوروبية استطاع جاكيه قيادة منتخب فرنسا للتأهل إلى الدور النصف النهائي من دون وجود اللاعبين النجوم الكبار، وصرح جاكيه أن منتخب فرنسا لا يحتاج إلى خدمات كانتونا وهو سيجدد الثقة في مجموعة اللاعبين المتواجدين معه حالياً.
من الشك إلى النصر
بعد مضي عدة أشهر من نهاية بطولة كأس الأمم الأوروبية 1996 خاض منتخب فرنسا عدة مباريات دولية ودية وانتهج خطط دفاعية بحتة وجعل المشجعين يخشون على مستقبل المنتخب في بطولة كأس العالم 1998 التي ستتم استضافتها من قبلهم ويعود السبب إلى عدم مشاهدتهم لمنتخب فرنسا يلعب بغير الخطط الهجومية، بدأت وسائل الإعلام الرياضية بانتقاد جاكيه بكثرة واتهامه باستخدام أساليب لعب منتهية الصلاحية وأن لا أمل في تحقيق بطولة كأس العالم بالمرة، جاكيه قرر أن يتمسك بخططه التدريبية وأن لا يغيرها مهما كان الهجوم عليه، مفضلاً التركيز على لاعبي المنتخب بدلاً من الرد على وسائل الإعلام الرياضية.
في 1997 شارك منتخب فرنسا في دورة دولية ودية على أرضه بالمشاركة مع منتخبات منها منتخب البرازيل لكرة القدم البرازيل، ومنتخب إنجلترا لكرة القدم إنجلترا، وإيطاليا، وفي المباريات الثلاث طالب المشجعون بصوت عالي مسموع باستقالة جاكيه من منصبه بسبب احتلال منتخب فرنسا المركز الأخير في هذه الدورة.
وصلت ذروة انتقادات وسائل الإعلام الرياضية لجاكيه في 1998 عندما استدعى 28 لاعباً بدلاً من 22 لاعباً للمشاركة في بطولة كأس العالم مما دعا صحيفة ليكيب الرياضية الشهيرة إلى الكتابة بأن جاكيه لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب، لكن على الرغم من ذلك فقد تغيرت تصرفات وسائل الإعلام الرياضية مع جاكيه مع بداية بطولة كأس العالم، حيث بدا المنتخب الفرنسي من خلال مباريات دور المجموعات الأول أنه لا يمت بصلة بمنتخب فرنسا الرائع في حقبة الثمانينات، وفي 1998 استطاع منتخب فرنسا التغلب على حامل اللقب منتخب البرازيل 3 – 0 في المباراة النهائية لبطولة كأس العالم، مفتاح الفوز بهذه المباراة كان تركز جاكيه بتوجيه لاعبيه على التمركز الجيد أثناء تنفيذ الركلات الثابتة ضد منتخب البرازيل لأن لاعبيه لا يستطيعون التمركز جيداً، وبالفعل استطاع زيدان تسجيل هدفين من ركلتين ركنيتين بتسديدتين رأسيتين.
ثقافة.. بعد تحقيق الهدف أو الإخفاق يجب المغادرة
وفي ليلة الانتصار، أعلن جاكيه أنه قرر اعتزال مهنة التدريب نهائياً وقرر التركيز في المشاركة في المركز الوطني التقني الذي استمر فيه حتى سنة عندما قدم استقالته منه نهائياً ، وأصبح “أيمي جاكيه” كبير خبراء ومستشاري لاتحاد كرة القدم الفرنسية، ولاتحاد آخر خارج فرنسا، ومحاضر بالاتحاد الدولي لكرة القدم العالمية “FIFA”.
الدروس المستفادة
أولاً، النجاح له عوامل كثيرة أهمها الخبرة العلمية والعملية، ومزاولة المهنة في أغلب مراحلها.
ثانياً، القدرة على اختيار العنصر البشري الكفء والمناسب للمرحلة، والقادر على تحقيق الهدف من خلال منحه الفرصة والتجربة، قبل الاختيار والتثبيت النهائي.
ثالثاً، توفير المناخ والدعم والثقة، والمؤازرة القوية خاصة للرافضين للتطور والتغيير وأصحاب المصالح ومجموعات الضغط.
رابعاً، الاعتماد الكامل على الأساليب والمفاهيم العلمية، ويتضح ذلك في الاعتماد على الشباب مع الخبرة، تغير خطط وأساليب اللعب المناسبة لقدرات فريقه، معالجة نقاط الضعف، تعظيم نقاط القوة، المقارنة مع الغير للوقوف على المستوى الحقيقي.
خامساً، مراعاة التدرج في مستويات المسؤولية، وعدم التسرع أو ترك درجة في السلم الوظيفي، فتراكم الخبرة المهنية له مردود مهني عظيم، يجعل من تحقيق الهدف النهائي أكثر أمناً وأقل مخاطرة.
بالرجوع إلى محاكاة تلك التجربة مع التجربة المصرية لمنتخبنا القومي لكرة القدم، والذي أقصي من منتخب السنغال للتأهل لمنافسات كأس العالم لكرة القدم والمقرر إقامتها بدولة قطر في الشتاء القادم، الأمر متروك لك عزيزي القارئ للتعرّف على الفرق والمقارنة وتبيان أوجه الاختلاف، ومن وجهة نظري المتواضعة، حيث أنني لست من خبراء كرة القدم الكبار، الذي يظهرون ليل نهار في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، والتي تسير على الحائط، والتي أصبحت مهنة مربحة لكل من لا مهنه له، والذين يظهرون على اليوتيوب جالسين على أي كرسي وأمام أي كاميرا، يدلي بدلوه دون رقيب أو حسيب، بالمخالفة لكافة المعايير العلمية والمهنية، قد مارست لعبة كرة القدم ومشاهد ومتابع لأحداثها المحلية والعالمية، فأهم النقاط اللافتة للنظر هي:
أولاً، افتقار معظم اللاعبين (محلي أو دولي) للمهارات الأساسية للعبة، وهي الاستلام والتسليم، التمرير، التحكم في الكرة سواء بالرأس، الصدر، الفخذ، اللعب بالقدمين (كل اللاعبين يلعبون بقدم واحدة – إما اليمين أو اليسار) واللاعب بقدم واحدة هو “نصف لاعب”، وهي إحدى آفات الكرة المصرية، فاللاعبين أصحاب مهارة اللعب بالقدمين قلة قليلة، تحضرني الذاكرة بأسماء مثل علي أبو جريشة، حسن الشاذلي، عبد العزيز عبد الشافي، حسن شحاته، محمود الخطيب، طاهر الشيخ، حمدي نوح، أسامة خليل، أحمد الكأس، ربيع ياسين، حمادة عبد اللطيف، محمد عبد الجليل، حازم إمام، أبو تريكة، وليد صلاح الدين، وهذه المهارات يجب البحث عنها وتنميتها وتطويرها بالتدريب فهي الأصل، ثم يلي ذلك الاهتمام بالنواحي الجسمانية والفنية، وخير دليل على ذلك قصة ليونيل ميسي، الذي كان يعاني جسدياً فمن ضعف ووهن يصعب معه ممارسة كرة القدم، ولكن بالعلم والطب والتغذية الصحية والعلمية، أصبح من أساطير الكرة العالمية.
ثانياً، إهمال العناصر التي لديها الموهبة والمهارة وتفضيل الاعتماد على العناصر التي تتمتع بقوة جسمانية، على أساس أن اللعبة في الوقت الحالي تتطلب قوة وبنية جسدية قوة، وأنه مع التدريب والتكرار سوف يصبح لاعب وعنصر مفيد، (هناك لاعبين كثر أصبحوا لاعبين بفرقهم والمنتخب اعتمد علي تلك الفلسفة، وهذا المنهج، ولا داعي لذكر أسمائهم، حيث كانوا متواضعي المهارة والموهبة، ولكن مع كثرة التدريب والتكرار أصبحوا لاعبي كرة قدم).
ثالثاً، في كل الأوقات هناك مدربين أجانب يعملون في الأندية والمنتخبات، فما هي تجربة الاستفادة منهم – الأمر متروك للباحثين والخبراء والمحللين في مجال العلم الرياضي.
رابعاً، هل البنية التحية الرياضية، مناسبة وملائمة وتتوافق مع المعايير الدولية والعالمية، على سبيل المثال الملاعب، مراكز أجهزة اللياقة البدنية، الطب الرياضي.
بالنتيجة ودون الدخول في أمور أكثر تخصصاً، من الأفضل تركها للمتخصصين والباحثين والخبراء فهم أجدر وأحق بذلك، كما يلزم الرجوع إلى الدراسات والأبحاث الصادرة عن المراكز والجامعات والأكاديميات العلمية الرياضية، للاستفادة منها في التخطيط للمستقبل، ويفضل في هذه المرحل العمل الجاد والبعد عن الإحباط وجلد الذات، والاطلاع والاستفادة من تجارب الغير سواء من الدول المتقدمة مثل البرازيل والأرجنتين، ألمانيا والبرتغال وإسبانيا، والدول المتوسطة مثل المكسيك وكرواتيا، وليس عيباً الاستفادة من الدول التي حققت تقدم ملحوظ في الثلاثين عام الماضية، مثل نيجيريا والكاميرون والسنغال والمغرب وتونس والجزائر، والسعودية واليابان وكوريا الجنوبية (أتذكر أن مصر قد فازت على السعودية 0/9).
فإذا كان مدرب المنتخب البرتغالي (77عاماً) قد أعلن عن ترك مهمته من تدريب المنتخب المصري، وذلك لأنها ثقافة يجب أن نؤمن ونعمل بها، لأنها ثقافة ترسخ للتطور والتحديث والنجاح
وتجعل من الإخفاق والفشل بداية للنجاح، والعمل بغير ذلك هو السير ضد كل ذلك، وتوطين للإحباط للهمم وقتل للأجيال الشابة القادمة التي يلزم إسناد المهمة لها لتحقيق الهدف، وإذا فشلت يسند الأمر لغيرهم بعد الأخذ بالأسباب، وهكذا حتى يتحقق النجاح المستمر والمستقر، بعيداً عن العمل العشوائي الفوضوي وأصحاب المصالح والمستفيدين والباحثين عن الشهرة، حتى لا يكون كالذين يجدّون في الهزل، ويهزلون في الجد، وأن الفشل يتحقق عندما يترك الفشل يستمر دون محاسبة والإبقاء على الأوضاع كما هي دون دراسة أو تقييم، الفرصة أمام الجميع لتوطين وتوطيد ثقافة الفشل الذي هو بداية النجاح من أجل مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.