موسكو – (رياليست عربي): تشهد مياه الخليج العربي هذه الأيام واحدة من أخطر حالات التصاعد العسكري منذ سنوات، حيث تتراكم القوات الأمريكية والإيرانية في مواجهة صامتة قد تتحول إلى صراع مفتوح في أي لحظة.
المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان أسوأ كوابيس أزمات النفط في السبعينيات، لكن مع عناصر جديدة تزيد من خطورتها. القوات البحرية الأمريكية تعزز وجودها بشكل غير مسبوق، حيث رصدت الأقمار الصناعية مؤخراً وصول حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور إلى المنطقة، مصحوبة بأسطول كامل من المدمرات الحديثة المجهزة بأنظمة صواريخ متطورة.
في الجانب الآخر، تكثف إيران من تدريباتها البحرية بطريقة ملفتة، حيث أجرت مؤخراً مناورات شملت إطلاق صواريخ كروز من زوارق سريعة ومنصات ساحلية مخفية، في عرض واضح للقوة يهدف إلى إثبات قدرتها على إغلاق مضيق هرمز – شريان النفط العالمي – في أي لحظة.
المصادر العسكرية تشير إلى أن واشنطن تتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة في البرنامج الصاروخي الإيراني، خاصة بعد الكشف عن جيل جديد من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن التي يصل مداها إلى 700 كيلومتر، هذه التطورات تغير بشكل جذري المعادلة الأمنية في المنطقة، حيث لم تعد السفن الأمريكية في مأمن حتى وهي تبعد مئات الكيلومترات عن السواحل الإيرانية، في المقابل، تعمل البحرية الإيرانية على تطوير أساليب حرب غير تقليدية تعتمد على أسراب الزوارق المسلحة السريعة والألغام البحرية الذكية، مما يشكل تحدياً كبيراً للتفوق التقليدي للبحرية الأمريكية.
في خضم هذا التصاعد، تبرز عدة سيناريوهات للصراع، أكثرها ترجيحاً هو تكرار سيناريو “حرب الناقلات” الذي شهدناه سابقاً، لكن هذه المرة بأسلحة أكثر تطوراً وتكتيكات أكثر جرأة. مصادر دبلوماسية غربية تكشف عن قلق خاص من احتمال قيام إيران باستهداف ناقلات النفط أو منشآت الطاقة في دول الخليج عبر وكلائها، مع إنكار المسؤولية المباشرة. مثل هذا السيناريو قد يدفع واشنطن إلى فرض حصار بحري شامل على الصادرات النفطية الإيرانية، مما قد يؤدي إلى مواجهات مباشرة بين الزوارق الإيرانية والسفن الحربية الأمريكية.
السيناريو الثاني الأكثر خطورة يتعلق باحتمال ضربات جوية أمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، خاصة إذا ما قررت طهران تصعيد برنامجها النووي بشكل صارخ. مثل هذا التطور قد يدفع إيران للرد عبر حلفائها في المنطقة، مما قد يفتح جبهات متعددة في اليمن والعراق ولبنان، الخبراء العسكريون يحذرون من أن أي حادث يؤدي إلى سقوط ضحايا أمريكيين قد يدفع واشنطن إلى شن عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد القواعد البحرية الإيرانية وقوات الحرس الثوري، في مواجهة قد تخرج بسرعة عن السيطرة.
على الجانب الاقتصادي، بدأت بوادر الأزمة تظهر بالفعل في الأسواق العالمية، حيث ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، بينما شركات التأمين البحرية ترفع أسعارها بشكل حاد على السفن المارة بالمنطقة، المحللون الاقتصاديون يحذرون من أن أي تصعيد عسكري حقيقي قد يدفع الأسعار إلى مستويات قياسية تتجاوز 150 دولاراً للبرميل، مع تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي الذي ما زال يعاني من آثار الأزمات الأخيرة.
رغم هذا الجو المشحون، تبقى بعض المسارات الدبلوماسية مفتوحة، حيث تكشف مصادر مطلعة عن وساطة عمانية-عراقية مكثفة لاحتواء الأزمة، بينما تدعو كل من الصين وروسيا إلى ضبط النفس. هناك أيضاً اتصالات سرية بين الجانبين عبر وساطة سويسرية، لكن الفجوة بين المطالب الأمريكية والإيرانية ما زالت شاسعة. واشنطن تصر على ضرورة وقف البرنامج الصاروخي الإيراني أولاً، بينما ترفض طهران أي شروط مسبقة وتطالب برفع العقوبات كخطوة أولى.
المشهد في الخليج اليوم يشبه إلى حد كبير لعبة شطرنج نووية، حيث يحرك كل طرف قطعته بحذر شديد، مدركاً أن خطأ واحداً قد يكلف الجميع ثمناً باهظاً، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سنشهد تكراراً لأزمة الناقلات في نسخة أكثر عنفاً، أم أن الأطراف سوف تنجرف نحو مواجهة شاملة ستغير خريطة المنطقة إلى الأبد؟ الإجابة قد تأتي من تحت مياه الخليج الهائجة نفسها، حيث تتربس الغواصات والزوارق المسلحة، في انتظار إشارة قد لا تأتي أبداً، أو قد تأتي في أي لحظة.