موسكو – (رياليست عربي): أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف التزام بلاده الكامل بتنفيذ بنود معاهدة الشراكة الاستراتيجية الموقعة مع كوريا الشمالية، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في موسكو.
وجاءت تصريحات لافروف في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً على مختلف الأصعدة، خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية والتقنية. هذه الشراكة الاستراتيجية تكتسب أهمية خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في شبه الجزيرة الكورية والضغوط الغربية المتزايدة على كلا البلدين.
الاتفاقية الموقعة بين روسيا وكوريا الشمالية تشمل بنوداً سرية تتعلق بالتعاون في المجالات الدفاعية وتبادل الخبرات العسكرية، وفقاً لمصادر دبلوماسية مطلعة. التحليل الجيوسياسي يشير إلى أن هذه الشراكة تمثل تحدياً مباشراً للنفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تسعى كل من موسكو وبكينج إلى تعزيز تحالفاتها في مواجهة التحالف الثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيول.
على الصعيد الاقتصادي، تشهد التبادلات التجارية بين البلدين نمواً مطرداً، حيث زادت صادرات روسيا من المنتجات النفطية والقمح إلى كوريا الشمالية بنسبة 35% خلال العام الماضي، بينما زادت واردات موسكو من المعدات الإلكترونية والمنتجات الكيميائية من بيونج يانج بنسبة 28%. هذا التعاون الاقتصادي يأتي في إطار سعي البلدين لتقليل اعتمادهما على الأسواق الغربية وتطوير آليات تبادل تجاري خارج النظام المالي الدولي المهيمن عليه من قبل الولايات المتحدة.
من الناحية الأمنية، يرى خبراء العلاقات الدولية أن هذا التحالف قد يعيد رسم خريطة التحالفات في شمال شرق آسيا، حيث تسعى كوريا الشمالية إلى تعزيز موقعها الإقليمي بمساعدة روسيا، بينما تحاول موسكو إيجاد حلفاء جدد في مواجهة الضغوط الغربية، وتكمن أهمية هذه الشراكة في كونها تجمع بين دولتين تمتلكان قدرات عسكرية متقدمة وتواجهان عقوبات اقتصادية دولية مشتركة.
على الجانب الأمريكي والغربي، تبدو واشنطن قلقة من تطور هذه العلاقات، حيث حذرت رسمياً من “عواقب أي تعاون عسكري يهدد الأمن الإقليمي”. ويأتي هذا الموقف في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات متزايدة على عدة جبهات، من أوروبا الشرقية إلى شرق آسيا، مما قد يحد من قدرتها على الرد بشكل حاسم على هذا التحالف الناشئ.
في السياق الإقليمي، يثير هذا التحالف تساؤلات حول مستقبل الأزمة الكورية، حيث قد تحصل بيونج يانج على دعم تقني وعسكري إضافي من موسكو في أي مواجهات مستقبلية مع سيول أو طوكيو. كما أن التعاون الروسي الكوري الشمالي قد يشكل نموذجاً لدول أخرى تسعى للتحرر من النفوذ الغربي، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها.
من الناحية الاستراتيجية، يعكس هذا التحالف تحولاً في سياسات القوى التي تواجه عقوبات غربية، حيث تبحث هذه الدول عن شراكات غير تقليدية لتعزيز أمنها القومي وتجاوز الحصار الاقتصادي، وتكمن أهمية هذه الشراكة في أنها تجمع بين دولة تمتلك موارد طبيعية هائلة وقدرات تكنولوجية عسكرية متقدمة (روسيا) وأخرى تمتلك برامج صاروخية ونووية متطورة (كوريا الشمالية).
في الختام، يبدو أن التحالف الروسي الكوري الشمالي يمثل ظاهرة جديدة في السياسة الدولية، حيث تبحث الدول المناوئة للغرب عن تحالفات استراتيجية قائمة على المصالح المباشرة والتضامن في مواجهة العقوبات الغربية. وقد يكون لهذا التحالف تداعيات مهمة على مستقبل الصراعات في شرق آسيا وعلى موازين القوى العالمية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه النظام الدولي القائم.