طهران – (رياليست عربي): أعلنت إيران عن استعدادها لاستئناف المحادثات حول الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول الكبرى، في خطوة قد تمهد الطريق لعودة واشنطن إلى الاتفاق الذي انسحبت منه عام 2018.
وقد جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، حيث أكد أن طهران “مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة”، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة رفع العقوبات الأمريكية كشرط لتنفيذ أي اتفاق جديد.
هذا التطور الدبلوماسي يأتي بعد أشهر من الجمود في الملف النووي الإيراني، حيث شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً متبادلاً بين طهران وواشنطن. من جهتها، أبدت الإدارة الأمريكية ترحيباً حذراً بالإعلان الإيراني، مع تأكيدها على أن أي مفاوضات يجب أن تشمل أيضاً القضايا الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه أسواق النفط العالمية اضطرابات بسبب العقوبات على صادرات النفط الإيرانية.
ومن الناحية الفنية، تشير التقارير إلى أن إيران قد حققت تقدماً كبيراً في برنامجها النووي منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، حيث تمكنت من زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى ما يقرب من 25 كيلوغراماً، وهي كمية قريبة من المستوى المطلوب لصنع سلاح نووي. كما قامت بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة في منشآت نووية تحت الأرض، مما يزيد من تعقيد أي جهود دبلوماسية مستقبلية.
أما على الصعيد الإقليمي، تثير أنباء استئناف المحادثات ردود فعل متباينة. فبينما رحبت به الصين وروسيا، تبدو إسرائيل ودول الخليج متحفظة، خشية من أن يؤدي أي اتفاق جديد إلى فك القيود عن البرنامج النووي الإيراني دون معالجة ما تعتبره “السلوك العدائي” الإيراني في المنطقة. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) تعمل على إعداد مقترحات جديدة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
في السياق السياسي الداخلي، يأتي الإعلان الإيراني في وقت تواجه فيه طهران احتجاجات شعبية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناجمة عن العقوبات الأمريكية. وقد يكون القيادة الإيرانية رأت في استئناف المفاوضات وسيلة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على البلاد. من جهة أخرى، تواجه الإدارة الأمريكية ضغوطاً داخلية من الجمهوريين الذين يعارضون أي تخفيف للعقوبات على إيران قبل معالجة جميع جوانب ما يسمى “التهديد الإيراني”.
ومن الناحية القانونية، يشكل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي تحدياً معقداً، حيث أن الكونغرس الأمريكي قد أقر سلسلة من القوانين التي تقيد قدرة الرئيس على رفع العقوبات عن إيران. كما أن أي اتفاق جديد سيحتاج إلى موافقة الكونغرس، وهو ما قد يكون صعباً في ظل التوازنات السياسية الحالية في واشنطن.
في الختام، بينما يبعث الإعلان الإيراني بشيء من التفاؤل حول إمكانية حل الأزمة النووية الممتدة منذ سنوات، تبقى العديد من العقبات الكبيرة في طريق أي اتفاق شامل. الفجوة الواسعة بين مطالب الطرفين، والخلافات حول نطاق أي اتفاق جديد، والصراعات الإقليمية المتشابكة، كلها عوامل تجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة هذه الجولة الجديدة من المحادثات. لكن يبدو واضحاً أن جميع الأطراف تدرك مخاطر استمرار الجمود، وأن الوقت قد حان لبحث سبل الخروج من هذه الأزمة التي أرهقت المنطقة والعالم لأكثر من عقدين.