أنقرة – (رياليست عربي): في ظل التطورات المتسارعة على الساحة الدولية، تعود أنقرة إلى الواجهة الدبلوماسية من خلال مبادرات جديدة تهدف إلى إحياء مسار المفاوضات بين موسكو وكييف.
ووفقاً لمصادر مقربة من الملف، تدرس العاصمة التركية حالياً مع الجانبين الروسي والأوكراني إمكانية تنظيم جولة ثالثة من المحادثات المباشرة على أراضيها، في إطار مساعيها المستمرة لتعزيز دورها كوسيط محايد في هذه الأزمة المعقدة.
تبذل الدبلوماسية التركية جهوداً حثيثة لتحقيق اختراق ملموس، حيث قامت مؤخراً بتوجيه دعوات جديدة لكلا الطرفين لاستئناف الحوار. وتستند هذه المحاولات إلى الخبرة المتراكمة لأنقرة في استضافة الجولات السابقة التي شهدت بعض التقدم الجزئي، لاسيما فيما يتعلق باتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود التي تم توقيعها سابقاً برعاية تركية وأممية.
تركز المناقشات الجارية حالياً على عدة ملفات شائكة، يأتي في مقدمتها ضمان استمرارية صادرات الحبوب والأسمدة الروسية والأوكرانية إلى الأسواق العالمية، والتي تشكل عنصراً حاسماً في مواجهة أزمة الغذاء العالمية المتصاعدة. كما تحظى قضية تبادل الأسرى باهتمام بالغ في هذه المحادثات، حيث تسعى أنقرة إلى تسريع وتيرة هذه العمليات الإنسانية.
في الجانب الأوكراني، تبدو كييف منفتحة على فكرة عقد جولة جديدة من المفاوضات، لكنها تشدد على ضرورة أن تترافق أي محادثات مع وقف لإطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها منذ فبراير 2022. من جهتها، تؤكد موسكو على استعدادها للحوار، لكنها ترفط أي شروط مسبقة، معتبرة أن أي حل يجب أن يأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية الروسية.
تشهد الساحة الدولية تقييمات متباينة لدور تركيا في هذه الأزمة. فبينما يشيد بعض المحللين بجهود الرئيس أردوغان في الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع كلا الجانبين، يرى آخرون أن أنقرة توازن بحذر بين علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو وموقفها من التوسع الناتو شرقاً. وتبرز هذه المعادلة الدقيقة في سياسة تركيا الخارجية التي تسعى للحفاظ على مصالحها الوطنية دون التخلي عن مبادئها.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التحركات الدبلوماسية تأتي في وقت تشهد فيه جبهات القتال تصاعداً ملحوظاً في الاشتباكات، حيث تحاول القوات الأوكرانية شن هجمات مضادة في عدة قطاعات، بينما تعزز روسيا من دفاعاتها في المناطق التي تسيطر عليها. هذا الواقع العسكري المعقد يضيف طبقة إضافية من التحديات أمام أي مساعٍ دبلوماسية لحل الأزمة.
في الخلفية، تتابع العواصم الغربية والمنظمات الدولية هذه التطورات باهتمام بالغ، حيث تأمل أن تؤدي الجهود التركية إلى فتح نافذة للتهدئة، ولو مؤقتاً، تمهيداً لإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في المستقبل. ومع ذلك، يبقى الطريق إلى السلام محفوفاً بالعقبات، في ظل وجود هوة واسعة بين المطالب الأساسية للطرفين واستمرار دعم الغرب العسكري والسياسي لأوكرانيا.