(1)
لعب السوري مروان حديد دورا مهما اثناء تواجده للدراسة بكلية الزراعة بالقاهرة في بتجنيد واستقطاب عناصر جديدة إلى تنظيم سيد قطب، وتولى قيادة وتشكيل إحدى الخلايا التابعة لتنظيم (65)، و كان في مقدمتهم مرشد الإخوان المسجون حاليا، الدكتور محمد بديع، والقائم بأعمال المرشد الهارب الدكتور محمود عزت. نقل مروان حديد، أفكار سيد قطب إلى سوريا، وقام بتشكل “الطليعة المقاتلة”، والتي مثلت حينها الذراع العسكري لجماعة الإخوان في سوريا، وتسبب في انتهاج العنف المسلح ضد النظام السوري في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
(2)
عقب انتشار فكر التكفير بين عناصر الإخوان، داخل السجون، وخارجها، وانسياق عدد كبير منه إلى آراء سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح اسماعيل، وعلي اسماعيل، ومحمد قطب، الذي طرح أفكاره في كتاب “جاهلية القرن العشرين”، وعبد المجيد الشاذلي، وأحمد عبد المجيد عبد السميع، ظهر ما يسمى بالتيار القطبي، وهو تيار تبنى أدبيات التكفير، ورفض فكرة الصلاة في المساجد باعتبارها معابد جاهلية، وفقا لوصف سيد قطب في كتاب “في ظلال القران”، ونادى بالعزلة الشعورية عن المتجمع.
(3)
انقسم التيار القطبي الذي خرج من رحم مدرسة سيد قطب وتنظيم 65، على نفسه، فاتجه تيار إلى التمسك بالتنظيم الإخواني، وسيطر على مقاليد السلطة فيه، وسار بالجماعة نحو خطاب معلن موجه للرأي العام وفقا لمقتضيات الحاجة والمصلحة ومدى تحقيق أهداف، ومشروع “التمكين”، وخطاب أخر سري موجه للقواعد التنظيمية وفقا لأدبيات التأهيل والتصعيد التنظيمي للأفراد.
(4)
قاد الإخواني الأزهري، علي عبده إسماعيل، شقيق القيادي الإخواني عبدالفتاح إسماعيل الذي أعدم مع سيد قطب عام 1966، فصيلا من التيار القطبي، داعيا إلى تأسيس جماعة مسلمة تكون بمثابة نواة للمجتمع المسلم، تقوم على أنقاض مجتمع الكفر والجاهلية، وسمى الجماعة الجديدة “جماعة المسلمين”، داعيا إلى اعتزال المجتمعات المعاصرة باعتبارها مجتمعات كافرة تغرق في الجاهلية، مستعيدا فكرة الهجرة لتأسيس المجتمع المسلم الجديد.
التف حول علي إسماعيل، مجموعات من شباب الإخوان داخل السجون، الذين رأوا في أفكاره تجسيدا حقيقيا لأفكار سيد قطب، كان من بينهم شكري مصطفى، الذي سارع في الانضمام إلى جماعة المسلمين، التي تؤمن بكفر الحاكم والمحكوم.
(5)
أعاد علي إسماعيل النظر في أفكاره التكفيرية، وبلورها في نظرية حملت عنوان “التوقف والتبيين”، بمعنى أن من يدعي أنه مسلم فلا تحكم عليه الجماعة بالإسلام أو الكفر إلا بعد أن تتوقف وتتبين إسلامه من كفره.
(6)
رأى إسماعيل أن نظرية “التوقف والتبين”، ضلالة كبرى وفتنة عظمى ، لذلك خرج في أحد أيام عام 1969، وجمع أنصاره داخل السجن وصلى بهم، وما كاد يفرغ من الصلاة حتى قام وخلع جلبابه قائلا: “لقد تبين لي أن الفكر الذي كنت عليه هو فكر الخوارج، وهو فكر يفرق الأمة ويقضي على الجماعة، لذلك أنا أخلع هذا الفكر، إنني أخلع فكرة التكفير كما أخلع جلبابي هذا”، معلنا براءته من فكر “جماعة المسلمين“.
(7)
تلقى تلاميذ علي إسماعيل، فكرة التراجع الفكري، بحالة من الذهول والرفض، واعتبروه ناكصا على عقبيه، وتمسك بعضهم بأفكار التكفير، ورفضوا التراجع عنها، بل اتهموه بالجبن والتخاذل، وكان على رأس هذا الفريق وشكري مصطفى، وعبدالله السماوي، والشيخ عبد المجيد الشاذلي. ليسير كل منهما في طريق أخر، فتولى شكري مصطفى، قيادة “جماعة المسلمين”، التي صاغها تنظيميا الشيخ علي إسماعيل، وقامت على أفكار تكفير المجتمع وضرورة الهجرة منه، عقب خروجه من السجن تحت مسمى “التكفير والهجرة“. بينما تبنى مباديء نظرية “التوقف والتبين”، الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وأسس جماعته تحت مسمى “أهل السنة والجماعة”، والتي عرفت إعلاميا بـ”القطبيون”، أو “التيار القطبي“.
(8)
خلال تلك المهزلة الفكرية، خرج إلى النور كتاب “دعاة لا قضاة” المنسوب زورا لمرشد الإخوان، حسن الهضيبي، لكنه في الحقيقة هو من تأليف الشيخ علي إسماعيل، الذي أراد أن يغسل سمعته ويديه من فكر التكفير، وفقا للكثير من الأدلة، إذ أن صياغته فقهية شرعية، تتفق مع توجهات علماء الأزهر الشريف، وهو ما لم يتناسب مع وضع وفكر حسن الهضيبي إطلاقا.
ووفقا لما جاء في كتاب “الإخوان وأنا”، للواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق واحد شهود العيان على تنظيم 65، أن “كتاب دعاة لا قضاة لا يعبر عن فكر الإخوان بالمرة، وأن الذي وضعه هم مجموعة من علماء الدين بطلب من المباحث العامة، وأعطوه لمأمون الهضيبي الذي أوصله إلى والده، ثم أصدره ككتاب باسمه..”.
كان حسن الهضيبي مؤيداً لمشروع سيد قطب التكفيري، وفقا لاعترافات اعضاء تنظيم 65، وفي مقدمتهم أحمد عبدالمجيد، الذي ذكر في كتابه “الإخوان وعبدالناصر”، :(عندما شكا أعضاء مكتب الإرشاد، وهم في سجن الواحات، وكان المرشد تحت الإقامة الجبرية، من آراء سيد قطب الواردة “في ظلال القرآن” ونقلوا شكواهم وشكوى الإخوان منها في هذا السجن، للمرشد حسم الشكوى لصالح سيد قطب، فأجابهم: “ما قاله صاحب الظلال هو الحق الذي لا شك فيه”، وبدأ الإخوان بعدها يتدارسون الظلال في سجن الواحات في صورة مجموعات، بإشراف أعضاء مكتب الإرشاد، وكذلك تم نفس الشيء في سجن القناطر باستثناء البعض، وتم ذلك على اعتبار كلام المرشد موافقة على ما ورد في الظلال، ولما سئل المرشد عن كتاب “معالم في الطريق” قال: إنه كتاب عظيم).
(9)
رغم تراجع علي عبده إسماعيل عن أفكاره، إلا أنّ ابن أخيه، نجيب عبد الفتاح إسماعيل، قرّر أن يستكمل مسيرة عمّه، بتنظيره لفكر “التوقف والتبين”، إذ روج نجيب، لفكر “التوقف والتبين”، داخل السجون، ليتأثر به كل من الدكتور مجدي الصفتي، الذي تخلى عن انتمائه لتنظيم “الجهاد”، وتبنّى فكر “التوقف والتبين”، وأسس تنظيم “الناجون من النار”، الذي قام بثلاث عمليات مسلحة في صيف 1987، مثل محاولة اغتيال حسن أبوباشا، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، ومحاولة اغتيال نبوي إسماعيل، وزير الداخلية الأسبق، أما محاولتهم ومحاولة اغتيال الكاتب الصحفي، مكرم محمد أحمد.
كما تأثر به المهندس شوقي الشيخ، ليشرع عقب خروجه من السجن في تأسس تنظيم “الشوقيون”، بمحافظة الفيوم، وقد مزج فيه بين العمل المسلح، وعقيدة جماعة التوقف والتبيّن، ونشط هذا التنظيم في السطو المسلح على محلات الذهب خصوصاً التي يمتلكها الأقباط، كما نفذ عمليات مسلحة ضد ضباط جهاز أمن الدولة وضباط مصلح السجون المصرية، في تسعينات القرن الماضي.
(10)
لكن القصة لم تنته، إذ صار على نهج فكر “التوقف والتبين”، أمل المعروفة بـ”أم مصعب”، الابنة الصغرى لـ عبد الفتاح عبده إسماعيل، والمتهمة بدعم وتمويل الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش في مصر. كانت “أم مصعب”، ضمن الاعتقالات في قضية “الجهاد الكبرى”، التي ضمت 302 متهم، سواء المشاركون والمخططون لاغتيال الرئيس السادات عام 1981. سجنت “أم مصعب”، بسجن النساء بالقناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، والتقت داخله بعدد من القيادات النسائية المصرية، أمثال الدكتور صافيناز كاظم، ولطيفة الزيات، وفريدة النقاش، التي تم اعتقالهن بسبب اعتراضهم على اتفاقية” كامب ديفيد”، في أحداث 3 سبتمبر1981.
طالبت الدكتورة صافيناز كاظم، الرئيس محمد حسني مبارك، بالافراج عن بـ”أم مصعب”، بسبب حملها، وتأخر حالتها الصحية، فأصدر الرئيس مبارك قرارا بالإفراج عنها، مراعاة لظروفها. سهيل أحمد الماحي، ابن أمل عبد الفتاح عبده إسماعيل، هو أحد عناصر حركة “حسم” الذي تم تصفيته بمحافظة الإسماعيلية في منتصف يوليو 2017، وأن ابنها المثني، سافر لدولة ليبيا، وانضم للتنظيمات الإرهابية هناك، والمرجح مقتله هناك، إضافة أن ولديها حنظلة ومصعب تم القبض عليهما في خلية داعش الصعيد.
يعتبر زوجها أحمد أحمد الماحي، من قيادات فكر “التوقف والتبين”، في مصر، وكان إماما لمسجد المطراوي، بحي المطرية، وشاهدا على عمليات التخطيط تنفيذ مذبحة الفنية العسكرية، والتي تعتبر أول محاولة للإنقلاب العسكري المسلح من قبل التيار الإسلامي، ضد الرئيس الرحال محمد أنور السادات، في18 أبريل1974، وأسفرت عن مقتل 17 وإصابة 65، وهدفت لإعلان الجمهورية المصرية الإسلامية، جيث استولوا على أسلحة بقيادة د. صالح سرية، الفلسطيني الأصل، الذي صدر حكم بالإعدام ضده فيما بعد، وعرفت فيما بعد تلك الخلية الإرهابية بإسم “تنظيم الفنية العسكرية”.
عمرو فاروق- باحث في شؤون تيارات الإسلام السياسي، مركز خبراء “رياليست”.