القاهرة – (رياليست عربي): منذ اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية عمد النظام الإيراني إلى استدعاء عدد من الرموز الدينية “الشيعية” وتوظيفها إعلاميًا بشكل يعضد أركان النظام المخلخلة في الداخل، ويعزز مكانته السياسية المتآكلة في الخارج. شخصيات ووقائع ومشاهد وشعارات مذهبية أضفت على الحرب صبغةً شيعيةً صرفةً، وشلحت عنها ثوبها السياسي، وطرحت عليها عباءة دينية، مثلما حدث في الصراع بين السنة والشيعة، بدأ سلطويًا، فانتحى مذهبيًا.
أصبحت إيران لا تحارب إسرائيل دفاعًا عن نفسها، بل أمسى الشيعة يحاربون الباطل ويدافعون على الحق انطلاقًا من عقيدتهم الدينية، مثلما حارب الحسين يزيد وأعوانه في موقعة “كربلاء”، واستشهد في سبيل قضيته النبيلة المتمثلة في مناصرة الخير ورفع الظلم ومجابهة الشر وإقامة العدل.
والحقيقة أن هذا التوجه الديني امتد إلى إسرائيل أيضًا، بل أنها مَن بدأته حينما أطلقت اسم “الأسد الصاعد” على عمليتها العسكرية في إيران، وهو مصطلح مستقى من “الكتاب المقدس”، يُنعت به “يهوذا بن يعقوب” بعدما يدنو له مُلك العالم في نهاية الزمان.
الوعد الصادق (3)
هو الاسم الذي أطلقه النظام الإيراني على ضرباته الصاروخية ردًا على العدوان الإسرائيلي. هذا الاسم يُطلق على عدد من العمليات العسكرية، قام بها “محور المقاومة” ضد إسرائيل خلال السنوات الماضية، بدأها “حزب الله اللبناني” في يوليو ٢٠٠٦م، ثم “حركة حماس الفلسطينية” في أكتوبر ٢٠٢٤م، وأخيرًا “إيران” في يونيو ٢٠٢٥م.
مصطلح “الوعد الصادق” مستلهم من “القرآن الكريم”، فقد ورد ما يزيد عن 20 مرة بأكثر من صيغةٍ لغويةٍ في العديد السور مثل؛ آل عمران، والأنعام، والنساء، والأنبياء، والتوبة، وغيرها. المصطلح في معناه العام يُشير إلى وعد الله الصادق لعباده المؤمنين المخلصين بالنصر بعد الهزيمة، أو الرفعة بعد المذلة، أو الراحة والنعيم بعد العذاب والابتلاء.
الغيبة
طوال أيام الحرب مع إسرائيل وبعدها لم يظهر المرشد الأعلى “عليّ خامنئي” على الملأ مطلقًا، وتوارى عن الأنظار تمامًا، واكتفى بإصدار بعض التصريحات الموجزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشحذ همم الجيش والشعب الإيراني، وتتوعد إسرائيل بهزيمة نكراء، ثم جاء ظهوره الإعلامي المدوي بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب وإعلان النصر خلال مراسم “عاشوراء” أو “التعازي” التي يُحيِي فيها شيعة إيران والعالم أجمع ذكرى استشهاد الإمام “الحسين” في العاشر من محرم عام 61هـ/ 680م.
عنون الإعلام الإيراني خبر ظهور “على خامنئي” بعد اختفائه بمصطلح انتهاء “الغيبة” بدلًا من “الاختفاء” أو “الاختباء” أو “الاستتار” إلى آخره من مصطلحات ترادف هذا المعنى، مجسدًا في شخصه صورة “الإمام الغائب” الذي ينتظر الشيعة ظهوره منذ مئات السنوات كي يرفع الجور عنهم وينصر دعوتهم.

الإمام الغائب هو “محمد بن الحسن”، الإمام الثاني عشر لدى “الشيعة الاثني عشرية” أو “الإمامية” أو “الجعفرية” المؤمنة باثني عشر إمامًا من نسل “عليّ بن أبي طالب”، ويتلقب بأسماء “المهدي المنتظر، إمام الزمان، صاحب الزمان، ولي العصر”.
الإمام المهدي له غيبتان؛ “الغيبة الصُغرى” من بلوغه سن الخامسة عام ٢٦٠ ه/ 874م حتى بلوغه سن السبعين، حيث أخفاه أبوه عن الأنظار خوفًا على حياته من بطش الدولة العباسية وتنكيلها بالشيعة. خلال هذه السنوات السبعين كان المهدي يرسل سفراءً أو نوابًا عنه، يبلغون رسالته إلى الناس، وهم أربعة نواب: عثمان بن سعيد العَمري، ثم ابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري، ثم الحسين بن روح، ثم عليّ بن محمد السَّمري. أما “الغيبة الكُبرى” فتبدأ بوفاة النائب الرابع السَّمري سنة ٣٢٩ ه/ 940م، وتستمر إلى ما شاء الله حتى يظهر المهدي مرة أخرى، ويجمع شمل الشيعة حوله ويُعلِي من شأنهم بين الأمم الإسلامية.
إذا كان “المهدي” قد توارى عن الأنظار خوفًا من الفتك به على يد العباسيين على أمل الظهور مرة أخرى وقيادة الشيعة نحو النصر، فإن “عليّ خامنئي” قد توارى عن الأنظار خلال الحرب أيضًا خوفًا من اغتياله على يد إسرائيل مثلما فعلت مع قيادات الحرس الثوري والقوات المسلحة وعلماء الطاقة الذرية، لكنه ظهر وقاد الإيرانيين نحو النصر.
الربط بين الشخصيتين واقترانهما معًا ماديًا ومعنويًا له قداسة كُبرى لدى الإيرانيين، تُهيِّج في صدورهم الحس الديني، فالمهدي آخر الأئمة المعصومين، ينتظر الشيعة في العالم أجمع ظهوره مرة أخرى، ويعدونه منجدهم ومعزهم ورافعهم على سائر الأمم الإسلامية. أما خامنئي، فهو رأس الدولة الإيرانية وممثل “ولاية الفقيه” كما أقرها “الخُميني” بعد الثورة، حيث يذكر في كتابه “الحكومة الإسلامية”: “إذا نهض فقيهٌ، عالمٌ، عادلٌ بأمر تشكيل الحكومة، فإنه يتولى من أمور المجتمع ما كان يتولاه النبي محمد (ص)، ووجب على الناس أن يستمعوا إليه ويطيعوا أوامره”.
المهدي والخامنئي –أو أي مرشد يأتي بعده– يجسدان التسلسل الهرمي لنظام الحكم في العقيدة الشيعية، المهدي الحاكم المطلق دينيًا ودنيويًا، والمرشد نائبه في زمن الغيبة، مخول له سلطات النبي محمد وصلاحياته في إدارة شؤون البلاد والعباد، يأمر يُطاع، يتحدث يُنصت له، لا يجادله أحد ولا يخالفه قولًا أو رأيًا.
بالإضافة إلى ذلك، ظهور على خامنئي بعد الاختفاء يجدد الأمل في نفوس الإيرانيين بأن غيبة الإمام المهدي قد شارفت على الانتهاء، وسيظهر مظفرًا مثلما ظهر نائبه منتصرًا على أعدائه.
التعازي
مراسم تشييع جثامين الشهداء الإيرانيين من قادة عسكريين وعلماء نوويين في مسيرة مهيبة تعج بحشودٍ غفيرةٍ من ساحة “الثورة (انقلاب)” إلى ساحة “الحرية (آزادي)” بوسط طهران، تحاكي مراسم “التعازي الإيرانية” في “التراث الشعبي الديني” كاحتفال مذهبي يُقام في ذكراها السنوية، وكذلك في “المجال الفني” كعرض مسرحي يُقام بالتكايا والشوارع والميادين العامة.
النعوش المرفعة على المناكب والرقاب ترمز إلى “تابوت الحسين”، والنسوة النائحات المكلومات يرمزن إلى “نساء آل البيت”، والصائحون في هتافات حماسية تلهب مشاعر الناس يرمزون إلى “منشد الروضة” أو قارئ التعازي” الذي يروي مناقب آل البيت ومآثرهم وسيرهم العطرة.
يحف هذا المشهد الجنائزي المهيب بيارق “يا لثارات الحسين” أي “المطالبة بثأر الحسين” المرفرفة فوق رءوس الجموع، كأن أرواح الشهداء الإيرانيين قد حلت في جسد الحسين، وغدت المطالبة بالثأر لهم ممن قتلوهم أمرًا مقدسًا كالمطالبة بثأر الحسين ممن قتلوه ومثلوا بجثته.
هذا التزاوج بين الماضي والحاضر والمزج بين التراث الديني والواقع الدنيوي يوضح كيف ينظر النظام الإيراني إلى نفسه وكيف يتماثل أمام شعبه. إنه نظام ثيوقراطي يستمد شرعيته من السماء، مَن يعارضه أو يناهضه كمَن يخرج عن الدين أو ينحرف عن الصراط المستقيم.

الشعارات والمسميات الدينية
عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، غاصت الشوارع والميادين الإيرانية بلوحات دعائية تتوعد إسرائيل بالانتقام؛ كان من أبرزها بوستر كبير، تصدر ميدان “الثورة” بطهران، تظهر فيه مدينة “خيبر” معقل اليهود بالجزيرة العربية قبل الإسلام، يعلوها علم إسرائيل ممزقًا، وأمام بوابتها يصطف الجنود الإيرانيين متأهبين للاقتحام.
على جانبي البوستر من أعلاه دُون شطرا بيت شعري في بحر الرَجز يقول: “نحن ورثة حيدر؛ هزمة خيبر، إنه دورنا، أن نقتلع الباب من هنا: وارث حیدر؛ خیبر شِکَنیم، نوبت ماست در از جا بکَنیم”.
يستمد هذا البيت مضمونه من “غزوة خيبر” ووقائعها التي جرت بين المسلمين بقيادة الرسول (ص)، واليهود بقيادة ملكهم “مَرحب بن أبي زينب” عام 7هـ/ 628م، ومُنِي فيها اليهود بالهزيمة.
يتفاخر البيت الشعري بالإمام “عليّ بن أبي طالب” ودوره البارز في هزيمة اليهود واستئصال شأفتهم، ويؤكد أن الدور قد حل على الإيرانيين كي يكملوا مسيرة إمامهم، غازين خيبر الجديدة “إسرائيل”، قالعين بوابتها.
كانت “فاطمة بنت أسد” أم عليّ قد لقبته حين ولدته باسم “حيدر” أي “الأسد”، وقيل إن أم “مرحب بن أبي زينب” كانت كاهنة، تنبأت بأن قاتل ابنها رجل يتكنى بأسماء الأسد ويرتجز بها، كما قيل إن “مرحب” قد رأى في منامه يوم مقتله أن أسدًا يفترسه.
كان “مرحب” ملك خيبر من أشهر فرسان اليهود، وأظهر قوةً كبيرةً في قتال المسلمين، ولم يستطع أحد النيل منه، لكن عليّ تمكن من قتله، وهي الرواية المتواترة والمشهورة لدى أغلب المؤرخين والمحدِّثين المسلمين من بينهم: مسلم بن الحجاج، وابن الأثير، وابن عبد البر، وابن حجر العسقلاني.
أما “الباب” المذكور في البيت الشعري، فيُقصد به باب حصن “ناعم” أول حصن يداهمه المسلمون من حصون مدينة خيبر الثمانية المنيعة. وقد قيل إن عليّ اقتلع هذا الباب، وتَتَرَّس به يقاتل اليهود إلى أن اقتحم المسلمون الحصن، وفر منه اليهود إلى حصن “الصعب بن معاذ”، كما قيل إن عليًّا حمل الباب كي يمتطيه المسلمون، ويدلفوا منه إلى الحصن.
وقد ذُكر أن الباب كان ضخمًا جدًا، يزن 280 مثقالًا، ولا يقوى على رفعه أو زحزحته أحد، وأن 40 رجلًا جربوا حمله فيما بعد، فلم يستطيعوا، وأن 70 آخرين اجتمعوا عليه، فلم يتسن لهم سوى رفعه وتركه مكانه.
كل ما رُوي عن الباب يتداوله فقهاء الشيعة دلالةً على شجاعة عليّ وقوته وشدة بأسه، لكن فقهاء السنة ينكرون هذه الروايات ويعدونها ضعيفةً وواهيةً وغير صحيحةٍ رغم ورودها في عدد من كتب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والمصادر السنة والشيعية على حد سواء.
ذُيل البيت الشعري أيضًا بعبارة: “إيران؛ ذو الفقار عليّ” أي أن “إيران هي سيف عليّ بن أبي طالب”. “ذو الفقار” صفة تعني “صاحب الفَقرات” أو “صاحب الحُفر”، ويُقال “سيف مُفقر” أي به “فَقرات” وخَرزات” تشبه عظام سلسلة الظهر.

اتساقًا مع الشعر السابق، أدلى بعض المسؤولين الإيرانيين بتصريحات في السياق نفسه، فصرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية “إسماعيل بقائي” قائلًا: “إن الإيرانيين قد أثبتوا أنهم أمة الإمام الحسين. أمة في معسكر الحق تواجه الباطل، وتتكئ على الإيمان والتعاضد والتضامن الوطني، لديها القدرة على هزيمة كل شيطان”.
كما قال رئيس البرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي) “محمد باقر قالیباف”: “إن أمتنا قد أثبتت أنها أمة حسينية، تحرص على رفع راية أبي عبد الله عالية خاصة في أوقات الحرب”.
إلى جانب هذه الشعارات والتصريحات شيعية الهوى، رفع الإيرانيون خلال مظاهرات تأييد النظام عقب العدوان الإسرائيلي، رايات تحمل عبارة “لبيك يا حسين”، في إشارة إلى تلبية دعوة الحسين حينما خرج من مكة قاصدًا الكوفة، ودعا المسلمين إلى نصرته عدة مرات، وكان من أشهر هذه الدعوات ما قاله يوم عاشوراء في صحراء كربلاء: “هل مَن ناصر ينصرني”.
هذه العبارة أحد الشعارات الشهيرة لدى الشيعة، عادة ما نشاهدها في احتفالات عاشوراء مدونة على لافتات ورايات يحملها الإيرانيون في جميع أنحاء البلاد، كما تُرفع في ميادين القتال ومراسم تشييع جثامين الشهداء والمحافل الدينية بشكل عام.
كل ما سبق من شعارات وتصريحات تثير الحس الديني في نفوس الإيرانيين، تنبع من جوهر المذهب الشيعي، حيث تنهل مادتها من التراث الديني وشخوصه ووقائعه، وتضفي على الحرب بين إيران وإسرائيل هالة مقدسة، تُحيِلها إلى حرب بين الحق والباطل أو الخير والشر، بدأها الحسين منذ قرون واستشهد في سبيلها، فتخلدت ذكراه كبطل قومي يدافع عن المُثل العُليا، يمضي على خطاه كل مَن آمنوا به وبقضيته النبيلة.
بالإضافة إلى هذه الشعارات المذهبية، تأتي مسميات بعض الصواريخ الإيرانية المستخدمة في الحرب مصبوغةً صبغةً دينيةً؛ من بينها “خيبرشِكَن”، و”سجيل”. الصاروخ الأول يعني “محطم أو هازم خيبر”، إشارةً إلى هزيمة اليهود على يد المسلمين في غزوة خيبر كما أسلفنا الذكر، أما الصاروخ الثاني “سجيل” فهو اسم من أسماء “جهنم” مثلما ورد في القرآن الكريم.
السلالة الزينبية
بينما كانت المذيعة الإيرانية “سحر إمامي” تقدم برنامجها الإخباري على شبكة “خبر” التلفزيونية، منددةً بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على بلادها، وهي تتحدث بصوت جهوري في عزةٍ وشموخٍ، وترفع سبابة يدها اليمنى بالتهديد والوعيد، قصف الطيران الإسرائيلي مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الزجاجي على مرأى ومسمع من العالم، وتصاعدت في خلفية الشاشة عاصفة من الغبار الناجمة عن الانفجار. انسحت إمامي من أمام الكاميرات في هدوء وثبات وسط صيحات “الله أكبر” المرتفعة من حناجر العاملين بالإستوديو، وانقطع بث البرنامج، لكن بعد دقائق معدودات استأنفت إمامي بث برنامجها من إستوديو آخر، ترتسم على سحنتها علامات السكينة والثقة بالنفس غير مكترثة بما وقع منذ دقائق قليلة كأنها لم تكن قاب قوسين أو أدنى من موتٍ محتومٍ.
أصبحت “سحر إمامي” أيقونة الإعلام الإيراني وقدوةً يقتدي بها الإعلاميين كافة في الحرص على أداء واجبهم الوطني أثناء الحروب والصراعات، ينقلون الأخبار والأحداث الجارية تحت دوي طلقات الرصاص والمدافع.
“بطلة مشهد القصف” عنوان تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، تصف به شجاعة “إمامي” وكيفية تعاملها الرصين مع حدث جلل مفاجئ كاد يودي بحياتها.
تعتبر إمامي من أبرز مذيعات البرامج الحوارية في إيران، ولدت بطهران عام 1985م، ودرست الهندسة الزراعية، لكن شغفها بالعمل الإعلامي، جعلها تتقدم إلى اختبار هيئة الإذاعة والتلفزيون عام 2008م، حيث انضمت إلى شبكة “طهران” التلفزيونية، وقدمت على شاشتها برنامجي “ونعود للبيت: به خانه بر میگردیم”، و”صباح الأخبار: صبح با خبر”، ثم انتقلت إلى شبكة “خبر” في يونيو 2010م، وقدمت على شاشتها النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية والسياسية.
تحرص إمامي على ارتداء العباءة الإيرانية التقليدية “التشادر”، ووضع مكياج خفيف يتماشى مع قواعد الظهور على شاشات التلفزيون الرسمي.

عقب حادث قصف مبنى الإذاعة والتلفزيون، شبه الإعلام الإيراني “سحر إمامي” بالسيدة “زينب بنت عليّ” في صمودها ورباطة جأشها خلال فاجعة كربلاء، وجرأتها وشجاعة قولها أمام “يزيد بن معاوية” حين سيقت إليه بين السبايا تحمل بين ذراعيها الطفل “زين العابدين بن الحسين”، الذكر الوحيد الناجي من واقعة كربلاء، وآخر ذَكر تبقى من نسل الحسين.
صوَّر الإعلام الإيراني إمامي باعتبارها سليلة آل البيت المبارك، تتجسد فيها سمات السيدة زينب حفيدة الرسول الكريم وبنت الإمام عليّ بن أبي طالب، وتمثل نموذجًا مثاليًا لما يجب أن تكون عليه المرأة الإيرانية المحافظة خِلقًا وخُلقًا.
اِقتران إمامي بالسيدة زينب في الصفات الأخلاقية ينبع من المصابرة على المحن والصمود أمام الصعاب، فقد عهدت السيدة زينب ضراوة الأحزان منذ الطفولة، حيث شهدت وفاة جدها الرسول، ثم أمها فاطمة الزهراء، ثم أباها عليّ، ثم أخواها الحسن والحسين، لذا يشتهر في إيران المثل الشعبي “مِثل زينب سِتمكَش است” أي “مِثل زينب المبتلاة (المظلومة)”، حيث يُضرب في كل فتاة أو امرأة تحمل على عاتقها أعباء أسرتها ومشكلاتهم أو تتحمل أحزانهم وآلامهم في صبرٍ وجلدٍ.
الأئمة الاثنا عشر والأسباط الاثنا عشر
على مدار 12 يومًا دارت رحى الحرب بين إيران وإسرائيل، وغدا هذا الرقم مسمى الحرب المتداول في وسائل الإعلام العربية والغربية على نطاق واسع، وكان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أول مَن استخدم اسم “حرب الأيام الاثني عشر” عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب.
من عجائب القدر وصدف الدهر أن رقم (12) له مكانة سامية في المذهب الشيعي، حيث إنه يمثل عدد الأئمة الاثني عشر، بدءًا من الإمام “عليّ بن أبي طالب” حتى الإمام “محمد بن الحسن المهدي”، والرقم نفسه يمثل عدد أسباط بني إسرائيل (يعقوب)؛ كأن هذه الحرب كانت حرب دينية بين أحفاد أئمة الشيعة الاثني عشر وأحفاد بني إسرائيل الاثني عشر، غلب فيها الشيعة اليهود وفقًا للراوية الإيرانية، وغلب فيها اليهود الشيعة وفقًا للرواية الإسرائيلية.
بعيدًا عن البُعد الشيعي اليهودي لهذا الرقم، تطلق إسرائيل على حربها مع الدول العربية “مصر وسوريا والأردن” عام 1967م “حرب الأيام الستة” المعروفة في الإعلام العربي باسم “نكسة 67″؛ تلك الحرب التي استطاعت فيها إسرائيل احتلال شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وهضبة الجولان، وبهذا تعتبر إسرائيل “حرب الأيام الاثني عشر” مع إيران امتدادًا لانتصارها على العرب في “حرب الأيام الستة”، ومباهاةً بقوتها المزعومة في استمرار القتال مع إيران ضعف مدة قتالها مع العرب، هذا فضلًا عن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بعد وقف إطلاق النار فجر الثلاثاء 24 يونيو 2025م، احتفال حكومته بالنصر في تمام الساعة السادسة مساءً متأسيًا بـ “حرب الأيام الستة”، أي أن العددين (6) و(12) يمثلان مبعث فخر واعتزاز لإسرائيل، لما ينطويان عليه من دلالات دينية وظَفَرِية.
خاتمة القول؛ لقد انتقلت الحرب الإيرانية الإسرائيلية من ساحة المعارك إلى حرم العتبات المقدسة، واصطبغت صبغةً شيعيةً خالصةً، تجسدت فيها مآسي كربلاء وشخوصها وأبطالها باعتبارها ركيزةً أساسيةً من ركائز المذهب الشيعي، ورمزًا من رموز الثورة على الظلم ومجابهة الباطل والشهادة في سبيل إحقاق الحق وإرساء العدل، يتكئ عليها النظام الإيراني في ترسيخ أركانه والتفاف الشعب حوله على مر الزمان، مسيسًا الدين والمذهب من أجل تحقيق أهدافه الداخلية والخارجية.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر