دمشق – (رياليست عربي): الديموغرافيا وخصائصها المساعدة على التصادم كالطائفية والإثنية هي أدوات صالحة في الحروب لترسيم خارطة المصالح، وما إن تنتقل المناطق إلى ما بعد الحرب ويبدأ الاستقرار تتلاشى لصالح ميزان الحرب نفسه، بمعنى المهزوم والمنتصر، لأن طاولة التفاوض يجلس حولها المنتصرون.
والتفاوض اليوم على الاقتصاد القائم على الطرق والممرات كنقاط جباية ضريبة المرور الآمن والسلاح شرط فوق تفاوضي للدخول في الشراكة بناء على القدرة على حماية المصالح.
وهكذا تتحول الحدود إلى حواجز جمركية فقط بدون مدلولات سياسية ذات أهمية كلما تضخمت المصالح الاقتصادية وتتلاشى قوة الديموغرافيا ويتراجع التعصب نتيجة الحاجات التبادلية ومكاسبها الكبيرة، والمشاريع التي رسمت للشرق الأوسط تبدلت وتغيرت من حيث التقسيمات بحكم نتائج المعارك على الأرض وبقي الاسم كدلالة على أن التحالفات لم تعد بمنطق دولة مع دولة وإنما تحالفات عابرة للحدود إقليمية بواقع جغرافي وليس حدودي مثل الشرق الأوسط أو بريكس أو شنغهاي أو شرق آسيا أو أوراسيا.
سابقاً في عهد التوازن بناء على نموذجين اقتصاديين في المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي كان هناك تحالف دول عدم الانحياز ما بين حلف وارسو وحلف شمال الأطلسي.
اليوم انتهى عهد الاقتصاد ذي الهوية المبنية على منظاره للشعوب ونموذج نظام الحكم، ودخل العالم في الاقتصاد الحر وفي آخر معاقل الديمقراطية في أوروبا تتم معركة الانقلاب على النموذج الديمقراطي بين قرار الاقتصاد الذي يملك السلطة والشراكة مع الشعب باسم الديمقراطية.
ولا شك أنها معركة صعبة داخل النموذج الأوروبي وقد تكون الحرب على روسيا التي دفعت باتجاهها الولايات المتحدة الامريكية لتأجيل المواجهة المباشرة مع الصين وسيلة لتسريع إزاحة الشعب من المعادلة في أوروبا بسبب حالة الدفع إلى عسكرة انقلابية دخلت فيها حديقة العالم (الدول الاسكندنافية).
ببساطة العالم يتعسكر في الاقتصاد المفتوح لأن كل ممر يحتاج قوة تحميه وتكسب من العبور، وفي هكذا نموذج سيتم تعميمه وفق مصالح المنتصرين تزول القضايا الخلافية على أساس خصال الشعوب وألوانهم وأعراقهم وتصبح القوة الجامعة هي المنافع والمصالح، وقد تكون حكاية الربيع العربي المنصرم ودفعه إلى الواجهة، جزء من حالة القلق العالمي من ظاهرة الإسلام الذي فعلها ذات يوم وقلب معادلة التوازن العالمي بصعود دولة تأخذ مكانتها العالمية بين روما وبلاد الفرس.
وقد تكون معظم التجارب السابقة في اختلاق مواجهة مع الاسلام وتحريك التطرف والاسلام فوبيا جزء من القلق العالمي أن ديموغرافيا الدولة العربية الاسلامية قابلة للتعبئة بنماذج غير مألوفة في باقي الدول.
ويمكن متابعة الاهتمام البريطاني باحتواء الاسلام السياسي (الاخوان المسلمين المحظور في الاتحاد الروسي) كونه لا يصف نفسه كحالة عربية بل كحالة أممية، وتصدير لوحات تسامح عبر تعيين قيادات من أصل مسلم.
خلاصة القول إن العقود القادمة في منطقتنا منوط حسابها الزمني بالاستقرار وولوج حقبة ما بعد الحرب، فالزمن يبدأ بالاحتساب عند تلك العتبة، والتي ستؤسس لنوع واحد من القيود فقط، القيود الجمركية.
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة وإعلامية سوريّة.