دمشق – (رياليست عربي): في خضم الأحداث التي تشهدها أوكرانيا، ثمة الكثير من الإشكاليات التي تؤطر عناوين الحرب الروسية – الأوكرانية، وضمن ذلك، هناك بحث عن سياق يوصل الطرفان الروسي والأوكراني، إلى طاولة المفاوضات، لوضع حد لتلك الحرب، وتأطير شظاياها ضمن حدود التداعيات المنطقية، لكن في العمق، هناك تعويل على دور حلفاء روسيا الدوليين لا سيما الصين، للعب دور إيجابي، يفضي إلى توافقات ومعادلات ترضي طموح روسيا الاستراتيجي أولاً، وتعيد أسواق الطاقة إلى مسارها الطبيعي ثانياً، وتُبعد شبح تمدد الحرب ثالثاً.
نتيجة لذلك، ثمة من يرى الصين، في موقف الوسيط القادر على إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، فالحرب في جوهرها تمثل للصين، معادلة ينبغي استثمارها في السياسة كما الاقتصاد، ولعل موقف الصين المؤيد لتلك الحرب، لا يمكن إظهاره علانية، لكن يمكن في المقابل، توظيفه بما يخدم المصالح الصينية على المدى البعيد، كما يعزز من موقع الصين في النظام العالمي.
وكترجمة للتمنيات الغربية والأمريكية، حيال دور الصين في التدخل كوسيط مقبول، لإيقاف نزيف الدم في أوكرانيا، قال مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل: “يجب أن تكون الصين وسيطاً بين موسكو وكييف”، وفي ذات الإطار، وكترجمة للموقف الأوروبي، قال وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا، إن “الصين مهتمة بوقف الحرب”.
الرئيس الصيني شي جين بينغ بدوره، جاء موقفه متماهياً لكن بحذر، مع جملة المواقف الداعية لوقف الحرب، فقد دعا الأخير بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، إلى ممارسة “أقصى ضبط للنفس”، وأن “الصين تشعر بالمعاناة من الحرب التي اشتعلت نيرانها من جديد في أوروبا”.
حقيقة الأمر، من الواضح أن الأوروبيين لا يملكون الكثير من الخيارات للاستعانة بها، وتوظيفها في سياق إيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية، من هنا يبدو مفهوماً أن الموقف الأوروبي، لجهة الاستعانة بالصين كوسيط، يأتي انعكاس لقلة الخيارات الأُخرى، وكذا فهم أن الصين أيضاً، تحمل مصالح بعناصر ثلاث، أولها علاقة الصين القريبة مع روسيا، الأمر الذي يمكن استثماره في سياقات متعددة، وثانيها اعتقاده الصين وإيمانها بوحدة التراب والسيادة الوطنية وسياسة عدم التدخل، وثالثها حاجتها لكي تخفف من تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا، والتي من الممكن أن تصل تأثيراتها إلى الصين، وتكون لها فواعل تصيب الاقتصاد الصيني بتأثيرات سلبية.
وبالتالي، فإن التحولات الأساسية تكشف الغموض في المواقف الصينية منذ 24 فبراير/ شباط، فبدلا من التصويت لصالح روسيا في مجلس الأمن، امتنعت عن التصويت، فالعلاقات الثنائية مبنية على المصالح لا الحب، والبلدان كانا في الماضي عدوين وصديقين.
وضمن الواقعية السياسية في رسم المشاهد الدولية، فإن بوتين ونظيره الصيني، يتشابهان في تبني سياسة خارجية حاسمة، بالإضافة إلى إضفاء فكرة العظمة التاريخية على بلديهما في خطابهما، وفوق كل هذا، فما يجمع بينهما هو اعتقادهما بأن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام هما التهديد الأكبر الذي يواجهانه، لكن في المقابل، فإن الصين لم ترحب بتبنّي روسيا الخيار العسكري تُجاه أوكرانيا، لكنها بذات التوقيت، حملت الولايات المتحدة والناتو مسؤولية الأزمة بين موسكو وكييف، ووصفت سياسة الولايات المتحدة في منطقة إندو-باسيفيك، بأنها محاولة أمريكية لخلق حلف مماثل للناتو، وشجبت العقوبات على روسيا ووصفتها بـغير الشرعية.
بلا شك، فإن الرئيس الصيني، يشعر بالامتنان لبوتين، لأنه حرف اهتمام إدارة بايدن عن الصين، وكذا فإن الصين، لا ترحب بالتقارب الجديد بين أمريكا وأوروبا، بما فيها وسط وشرق أوروبا، وهي الدول التي تحاول الصين التقرب منها.
ومن الجدير بالذكر ، أن التبادل التجاري بين الصين وروسيا ارتفع إلى معدلات عالية، وصلت في العام الماضي إلى 146.9 مليار دولار، وهو نصف تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي، وجزء صغير من تجارتها مع الولايات المتحدة، ما يعطي فكرة عن الأهداف الاستراتيجية.
ختاماً، التعبيرات الغامضة عن آمال خفض التوتر تختلف عن التحرك للمساعدة في تحقيقه، وهناك شكوك لدى الساسة الأوربيين والأمريكيين، في أن السياسات والمواقف الصينية، تُجاه الحرب الروسية الأوكرانية، هي محاولة من بكين لتخفيف حدة النقد الموجه لها بسبب دعمها لروسيا، ولا تُعد تعبيراً عن تحولات في تفكيرها، فالواضح أن الصين تخشى من دفع أثمان باهظة سياسياً واقتصادياً، جراء العسكري الروسي في أوكرانيا، وهذه الجزئية قد تكون المدخل للتأثير في سياق العلاقات الروسية – الصينية، ومع أن التوقعات من لعب الصين دور الوسيط، يجب أن تكون منخفضة بدو القادة الأوروبيين والأمريكيين، نتيجة لذلك، فإن السياسات الأمريكية ومثلها الأوروبية، تُبنى في سياق الضغط على الصين، بغية إجبارها الضغط على روسيا لإيقاف الحرب، وكذا فرض حدود على الصداقة الروسية – الصينية، والتي من المفترض لدى الأوربيين والأمريكيين، أن تكون بدونهم.
خاص وكالة رياليست – أمجد إسماعيل الآغا – إعلامي وكاتب سياسي سوري.