باريس – (رياليست عربي): العالم سوف يحتاج إلى عقود حتى يعود كما قبل، يوم 24 فبراير/ شباط 2022، فمازال العالم لم يتعافَ بعد من جائحة كورونا وتوابعها، حتى استيقظ على دخول القوات المسلحة الروسية إلى الأراضي الأوكرانية.
وهو الأمر المتوقع حدوثه منذ أعوام سابقة، وبالتحديد، مع نهاية الحرب العالمية الثانية والتي وضعت أوزارها في سبتمبر/ أيلول العام 1945، ففي أواخر عام 1944، اجتمع زعماء أمريكا وبريطانيا وروسيا في مؤتمري طهران ويالطا وانضم لهم بعد ذلك كل من فرنسا والصين لوضع خطة وسياسة دولية لإحلال الأمن والسلم العالمي والتعاون والتضامن الدولي، وحل المنازعات والخلافات والصراعات بالطرق السلمية والدبلوماسية، وضمان عدم ظهور أنظمة حكم استبدادية، وفاشية مثل حكم هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا، وهو الأمر الذي تأسست عليه منظمة الأمم المتحدة 24 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1945.
معادلة 5+0= 5
اتُفق على أن يكون المقر الدائم لمنظمة الأمم في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وأن يكون هيكلها الأساسي من الجمعية العامة والتي تضم جميع الدول المستقلة وذات سيادة والمعترف بها دولياً، ومجلس الأمن الذي يتكون من 15 عضو 10 أعضاء غير دائمين مدة كل عضو عامين يتم انتخابهم بالتناوب، وعدد 5 أعضاء دائمين هم: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ويتمتع الأعضاء الدائمين بحق الـ veto أي الاعتراض على قرارات مجلس الأمن في اتخاذ القرارات الدولية الملزمة لجميع الدول.
وبناءً على هذا النظام، أصبح العالم في حقيقة الأمر في يد الخمس أعضاء الدائمين الذين هم الحكّام الفعليين للكرة الأرضية، وهو ما يعني أنهم 5+0= 5.
حقبة الحرب الباردة والتعايش السلمي
منذ النصف الثاني من القرن الماضي والصراع محتدم بين كل من الولايات المتحدة وروسيا في قضايا ومناطق كثيرة حول العالم، كان هناك قضايا ملتهبة مثل مشكلة خليج الخنازير ورغبة الإتحاد السوفيتي نشر صواريخ في جزيرة كوبا القريبة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك قضايا كان كل الأطراف أتباع سياسات عدم المواجهة العلانية والصريحة، وهي ماعرفت بالحرب الباردة والتي كانت تهدف إلى التعايش السلمي، كما ظهرت حركة عدم الانحياز بعد تأسيسها من قبل الزعماء الراحلين عبدالناصر وتيتو ونهرو، لتكون الدول الأعضاء غير منحازة لأي صراع أو خلاف ينشأ بين القوتين العظميين أمريكا وروسيا.
المشكلة الأوكرانية
الوضع الأوكراني معقد تاريخياً وجغرافياً منذ حقبة روسيا القيصرية، ثم في حقبة الإتحاد السوفيتي، وازدادت تعقيداً في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وحصول أوكرانيا على استقلالها عام 1994، وانهيار سور برلين وتوحيد ألمانيا، من ثم استقلال كثير من الدول وخروجها من عباءة الإتحاد السوفيتي والنظام المركزي الشمولي.
الأسد والنسر والدب والتنين والديك
كان من أهم نتائج الإتحاد السوفيتي، أن أصبح العالم أحادي القطب تحت هيمنة وسيطرة وزعامة بلاد العم سام، ومع التطور العلمي والتكنولوجي الرهيب بين الدول الكبرى، وظهور التكتلات الاقتصادية والجمعيات السياسية، وأهمهم الإتحاد الأوروبي، والذي أصبح قوةً أقتصادية ثانية بعد أمريكا، وأيضاً تنامي القوة الروسية والصينية والهندية العالمية والتكنولوجية والصناعية المدنية والحربية والتجارية وكذلك قوى أخرى على الساحة الدولية مثل تركيا ودول الخليج.
كل ذلك بالإضافة إلى تعرض الاقتصاد العالمي إلى مشاكل وأزمات اقتصادية كبيرة، ومناخية وصحية، مما زاد من حدة الصراع والتنافس بين القوى العظمى، وهو الأمر الذي دفع دول الإتحاد الأوروبي وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، بتحقيق العلم الديجولي، بانفصال أوروبا عن الهيمنة والسيطرة عن أمريكا، واستقلال غرب الأطلسي عن شماله، وتجلى ذلك عندما صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برغبة الاتحاد الأوروبي تكوين قوة عسكرية لأوروبا بعيداً عن الناتو.
كما تنامى التعاون الاقتصادي والتجاري بين أوروبا وروسيا الاتحادية، خاصة في مجال الطاقة واعتماد معظم دول الإتحاد الاوروبي على الغاز والنفط الروسي، كل تلك الأسباب كانت دافعاً للولايات المتحدة الأمريكية، وبتخطيط من الأسد العجوز “بريطانيا” بضرورة وضع استراتيجية وسيناريو لوقف جماع وآمال تلك القوى، التي من الممكن أن تناطح ابنها البكر “أمريكا”.
السيناريو المقابل المضاد
أولاً، بدأ دخول السيناريو المضاد حيز التنفيذ بخروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي، وتكون تحالف استراتيجي يضم أستراليا وكندا واليابان بعيداً عن فرنسا.
ثانياً، مع تولي الديمقراطيين الحكم في أمريكا وهم يخططون بمعاقبة روسيا بحجة أنهم لعبوا دور في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي نجح فيها الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، كما أنهم يصرحون دائماً بحدوث هجوم سيبراني من قبل روسيا على قواعد البيانات الخاصة بالمؤسسات الحكومية والبنوك الأمريكية.
ثالثاً، ظهور دور عسكري قوي في سوريا، وهو الأمر الذي يلقى معارضة قوية من الإدارة الأمريكية.
رابعاً، عدم التوافق والتفاهم في الرأي بين أمريكا وحلفائها في كثير من القضايا والصراعات والأزمات الدولية.
فهل استغلت الإدارة الأمريكية وبريطانيا أوكرانيا لإشعال تلك الأزمة وهذه الحرب، لتوريط روسيا وأوروبا والعالم، لبقائهم القوى العظمى والمهيمنة في العالم، وإضعاف روسيا والصين والإتحاد الأوروبي بهذه العقوبات المالية والاقتصادية غير المسبوقة في التاريخ المعاصر.
النتائج
أولاً، تثبت الأيام أن اتفاقيات التي تمت بين الدول الكبرى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تكن في حقيقتها من أجل السلام والأمن والاستقرار والتعاون الدولي، ولكن من أجل الحفاظ على غنائم ومكتسبات مصالحهم ونفوذهم، أولاً وأخيراً.
ثانياً، عدم عدالة النظام العالمي بين جميع الدول الأعضاء، والقائم على إرضاء مصالح الدول الخمس الكبرى، وحلفائهم.
ثالثاً، من المؤكد وللأسف الشديد ومن المتوقع وخلال الأيام القادمة سوف تظهر نزاعات مسلحة في أماكن أخرى متفرقة حول العالم.
التعليق
كافة الحروب ليس فيها رابحين، والكل خاسر، كما أن الحرب لم تحسم حل في أي قضية أو صراع أو خلاف بين طرفين، وبفرض توقف هذه الحرب اليوم، الآن، فالعالم سوف يكون في حاجة إلى عقود ليتعافى منها ومن آثارها وتوابعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، التي ستعاني منها الأجيال القادمة، الذين تركنا لهم الدمار والكراهية.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.