القاهرة – (رياليست عربي): أكد الدكتور أحمد السيد النجار، الكاتب المصري المتخصص في الشؤون الاقتصادية والخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية، أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط والغاز غير ناتج عن قصور في المعروض العالمي منهما، بل هو ناتج عن السعار الأمريكي في فرض العقوبات العشوائية على روسيا بدعوى عزلها كلياً، مما أدى إلى هدم استقرار أسواق النفط والغاز على رأس العالم بأسره.
وتابع، كل دولار واحد يرتفعه سعر برميل النفط يعني زيادة إيرادات الدول العربية المصدرة له بمقدار 20 مليون دولار يومياً، أو نحو 7,3 مليار دولار في العام، حيث تصدر الدول العربية نحو 20 مليون برميل يومياً من النفط الخام ومشتقاته. وتأتي السعودية في المرتبة الأولى بنحو 7,7 مليون برميل يومياً من الخام والمشتقات، والعراق بنحو 3,2 مليون، والإمارات بنحو 3,2 مليون، والكويت بنحو 2,3 مليون، وقطر بنحو مليون، وعمان بنحو 0,9 مليون، والجزائر بنحو 0,8 مليون، وليبيا بنحو 0,5 مليون. أما مصر التي تصدر نحو 0,4 مليون برميل من النفط الخام والمشتقات فإنها تستورد مثلها تقريباً، وبالتالي فإن هناك تعادل بين استفادتها وتضررها من حركة أسعار النفط. وبغض النظر عن أيلولة الزيادة في الإيرادات النفطية إلى الشعوب أو العائلات الحاكمة، فإن الموازنات العامة للدول المصدرة للنفط ستعزز فوائضها أو تتجاوز العجز الذي تعرض له البعض منها عام 2020 بالذات.
مشيراً إلى أن متوسط سعر برميل النفط عام 2021 قد بلغ نحو 70 دولار، وظل يدور عند ذلك المستوى حتى بدأ في الصعود مع بدء الولايات المتحدة في محاصرة روسيا بمناورات في البحر الأسود، و بتحريض الرئيس الأوكراني التابع لواشنطن والمحدود الخبرة سياسياً لطلب عضوية “الناتو” والتصريح بنيته إعادة أوكرانيا كقوة نووية، كما أمدها بأسلحة حديثة و”فتاكة” على حد تعبيرها مما حفزه على مهاجمة أراضي منطقتي الدونباس والقرم وهي أراضي روسية ألحقها الاتحاد السوفيتي السابق إدارياً بأوكرانيا في عهدي لينين وخروتشوف ويقطنها أبناء القومية الروسية، فضلاً عما كانت روسيا القيصرية قد ألحقته من أراضي الإقليم الذي أصبح دولة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. وكل ذلك ساهم في انفجار الحرب الروسية – الأوكرانية في النهاية.
مبيناً، أنه في حال استقر سعر برميل النفط لمدة عام عند مستوى 100 دولار للبرميل ارتفاعاً من 70 دولار في العام الماضي، فإن الدول العربية المصدرة له ستزيد إيراداتها من تصديره بمقدار 220 مليار دولار. أما لو استقر عند 120 دولار لمدة عام فإن الزيادة ستصبح 365 مليار دولار. وفي حالة التزام أي دولة بعقود متوسطة أو طويلة الأجل لتوريد النفط بأسعار ثابتة أو محددة الحركة (هذا الأمر لا يحدث عادة) فإنها لن تكسب شيئاً، ولو كانت دولة ما قد باعت كميات كبيرة بعقود آجلة وفقاً للأسعار التي كانت سائدة لتلك العقود قبل الأزمة فإن السماسرة المشترين لتلك العقود هم من سيحقق أرباحا خيالية.
وبالمقابل ستتعرض الدول العربية المستوردة للنفط مثل المغرب (يستورد 260 ألف برميل يومياً من المشتقات النفطية) والأردن (يستورد 90 ألف برميل يومياً من النفط ومشتقاته) ولبنان وفلسطين لزيادة هائلة في مدفوعاتها عن وارداتها النفطية.
وقد أشعل ارتفاع أسعار النفط موجة تضخمية كبيرة في أسعار كل السلع والخدمات باعتبار أن الطاقة مكون أساسي في كل السلع الصناعية والزراعية والخدمات. وتلك الموجة يمكن أن تكتسح حكومات ونظم في طريقها لو فشلت في مواجهة الأزمة، أو لو اتخذت إجراءات قاهرة للفقراء والطبقة الوسطى بصورة يصعب قبولها أو احتمالها مما قد يهز أو حتى يدمر استقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو ما يفرض على كل الحكومات مراعاة الجانب الاجتماعي في أي إجراءات لمواجهة هذه الأزمة لحماية استقرارها الاجتماعي – السياسي.
ويذكر أنه عندما ارتفعت أسعار النفط بعد حرب أكتوبر 1973 قامت الدول العربية المصدرة للنفط بتأسيس آلية تعويضية لمساعدة الدول الفقيرة والنامية والدول العربية المستوردة للنفط على مواجهة آثار ارتفاعه، وهو أمر غاب بعد ذلك في موجات الارتفاع اللاحقة للأسعار بين 2003- 2008، 2010-2014 حيث حلت الأنانية محل منطق المشاركة والتفهم!
وشدد على أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط والغاز غير ناتج عن قصور في المعروض العالمي منهما، بل هو ناتج عن السعار الأمريكي في فرض العقوبات العشوائية على روسيا بدعوى عزلها كلياً، مما أدى إلى هدم استقرار أسواق النفط والغاز على رأس العالم بأسره في تجسيد حي لجنون الإمبراطورية الأميركية مستعدة لفعل أي شئ حتى ولو كان مخبولا لإيقاف تداعي مكانتها الاقتصادية الدولية. واستغل المضاربون وحائزي النفط الجاهز للبيع الفوري على الناقلات الوضع وأشعلوا السوق مستغلين حالة عدم اليقين في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية.