دمشق – (رياليست عربي): تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا تصاعدًا في التوترات الأمنية خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تعززت نقاط التفتيش التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة محلية في ظل تزايد القلق من هجمات جديدة. وتزامنت هذه التوترات مع اشتباكات دامية مع مجموعات مسلحة موالية للحكومة، أدت إلى سقوط عشرات القتلى، ما زاد من حالة الذعر داخل الطائفة الدرزية التي تُهيمن على المحافظة.
الاضطرابات الأخيرة جاءت في أعقاب أحداث طائفية دامية شهدتها مناطق أخرى من البلاد مطلع هذا العام. وقد دفعت المخاوف المتصاعدة بعض أفراد الطائفة إلى البحث عن دعم خارجي غير متوقع، وهو ما يُعد تحولًا جذريًا في موقف طالما اتسم بالرفض العلني لأي تقارب مع إسرائيل، خصوصًا أن المحافظة تقع على مقربة من الحدود مع الجولان المحتل.
في ظل هذه المستجدات، بادرت إسرائيل إلى تعزيز حضورها في المشهد السوري من خلال فتح الحدود لأول مرة منذ عقود لأداء مناسك دينية، وإطلاق خطة لمنح تصاريح عمل مؤقتة في شمال أراضيها، وإنشاء مركز طبي مخصص لاستقبال الجرحى والمرضى من دروز سوريا. كما أُعلنت عن “مظلة أمنية” لحماية أبناء هذه الطائفة.
يأتي ذلك في سياق حملة عسكرية جوية مكثفة نفذها الجيش الإسرائيلي على الأراضي السورية منذ وصول الإدارة السورية الجديدة إلى الحكم، وصدور قرار بإنشاء “منطقة عازلة” داخل الأراضي السورية تُوسّع النفوذ الإسرائيلي. وقد أكدت القيادة السورية الجديدة وجود محادثات غير مباشرة بين الطرفين تهدف إلى منع التصعيد وخروج الأوضاع عن السيطرة.
في الداخل السوري، عبّرت شخصيات دينية ومجتمعية بارزة عن مخاوفها من أن يؤدي هذا التقارب إلى زيادة الاستهداف الطائفي، بينما يرى آخرون أن الدعم الخارجي بات ضرورة في ظل غياب الضمانات الأمنية، مؤكدين أن المصلحة الذاتية للداعمين لا تُغيّر من أهمية تلقي المساعدة.
وفي أوساط الأهالي، يبرز شعور متزايد بعدم الأمان نتيجة فشل الحكومة الجديدة في احتواء الفصائل المتشددة ضمن بنيتها العسكرية. كما أن بعض القيادات الحالية لها خلفيات إيديولوجية تُثير قلق الأقليات، ما يكرّس حالة الشعور بالخطر الوجودي.
وشهدت السويداء هجمات عنيفة بدأتها مجموعات مسلحة على أحياء درزية في العاصمة، وامتدت لتشمل القرى المحيطة. وقد تسببت هذه الهجمات، التي غذّتها منشورات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، في نشر الذعر، خاصةً بعد انتشار تسجيلات صوتية يُزعم أنها تهين رموزًا دينية، ما فُسّر على أنه تحريض طائفي مباشر.
قُصفت قرى درزية عدة بقذائف هاون، ما أسفر عن أضرار بشرية ومادية جسيمة، وتسببت في حالات نزوح جماعية. وقد تم استهداف ضريح شخصية عسكرية معروفة في إحدى القرى، وتعرضت منازل للحرق والنهب. في ظل هذه التطورات، عبّر عدد من المصابين عن فقدانهم الثقة بإمكانية العودة إلى منازلهم، مؤكدين أنهم لا ينوون تسليم سلاحهم في الظروف الحالية.
رغم وصول قوات حكومية إلى بعض المناطق، لا يزال الشك يعتري السكان المحليين الذين يروون عن وجود مجموعات مسلحة ترافق تلك القوات، وأحيانًا تشارك في الاعتداءات. وتدور أحاديث متكررة عن تورط مقاتلين أجانب، رغم عدم تأكيد هذه المعلومات ميدانيًا.
في المقابل، تشهد المناطق ذات الأغلبية الدرزية داخل إسرائيل حالة تعبئة دعمًا للأقارب في سوريا. حيث أُطلقت حملات لجمع تبرعات ومساعدات غذائية ودوائية، مع دعوات لتدخل جوي إسرائيلي في حال استمرار العنف، مع تأكيد على ضرورة تجنب أي تدخل بري مباشر.
وقد أكد الجيش الإسرائيلي نقله عددًا من الجرحى السوريين من الطائفة للعلاج في مستشفيات داخل إسرائيل، بينما أشارت مصادر إلى جهود لنقل النساء والأطفال من مناطق الاشتباك إلى أماكن أكثر أمانًا تحت سيطرة إسرائيلية.
وفي داخل محافظة السويداء، وصلت حالة التوتر إلى ذروتها، حيث تكفي الشائعات لإثارة الذعر الجماعي، كما حدث مؤخرًا عندما تسبب ظهور مركبة بنوافذ مظللة بحالة من الفوضى والهلع وسط السوق المركزي.
على المستوى السياسي والعسكري، تواصلت المفاوضات بين الحكومة السورية وممثلين عن الطائفة لتقاسم السيطرة الأمنية، وسط رفض من جانب المقاتلين المحليين لأي ترتيبات تُمكن الحكومة من فرض سيطرة مباشرة على المحافظة. وقد عبّر هؤلاء عن نيتهم مواصلة حمل السلاح، مؤكدين أنهم لن يفرّطوا به إلا بعد استعادة الثقة بالسلطات.
يُذكر أن هذه التطورات تأتي بعد أعمال عنف طائفية دامية شهدها الساحل السوري قبل نحو شهرين، حيث سقط المئات ضحية هجمات شنها مسلحون إسلاميون على تجمعات سكنية، ما فاقم الشعور بالخوف بين الأقليات، ومنها الطائفة الدرزية، التي لا تتجاوز نسبتها 3% من سكان سوريا، لكنها تحظى بنفوذ كبير في الجنوب.
ختامًا، تبدو محافظة السويداء اليوم ساحةً مفتوحةً على كل الاحتمالات، حيث يتقاطع التوتر المحلي مع الحسابات الإقليمية، وتبقى الأوضاع مرشحة للتفاقم في حال استمرار غياب الضمانات الأمنية الشاملة لجميع المكونات السورية.