إن التطبيع المغربي مع “إسرائيل” هو ليس وليد اليوم، اليوم فقط ظهر إلى العلن بمباركة من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب إرضاءً له التي سخرت كل مجهوداتها من أجل تقديم أعمال سخية وبدون مقابل لتل أبيب، حيث عرفت فترة رئاسة ترامب مبادرة (صفقة القرن).
العلاقات الإسرائيلية – المغربية
تعود العلاقات الإسرائيلية – المغربية إلى بداية ستينيات القرن الماضي، بتعاون أمني وعسكري في مواجهة القومية العربية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقابل أن يسمح المغرب بهجرة اليهود المغاربة إلى أرض فلسطين المحتلة، وزاد التعاون إلى أن أصبح نظام المغرب يعطي إمكانية للموساد التجسس المباشر على القمم العربية التي تعقد بالمغرب، وتطور هذا التعاون الأمني والعسكري والتجاري والسياسي إلى اليوم، والمسؤولون من الطرفين يعترفون بذلك علناً، لذلك في اعتقادي أن هذا التطبيع لم يأتِ بجديد للوجود الإسرائيلي بالمنطقة بفضل التعاون المغربي معه، فهذين النظامين يلتقيان في عدة نقاط وهذا نتيجة التعاون الوثيق.
أولاً: كلا النظامان ليس لهما حدود جغرافية سياسية محددة بل حدود متحركة، وربما القرّاء العرب يعرفون أساليب العدو الإسرائيلي مع الحدود لكن لا يعرفون أساليب النظام المغربي.
وعندما استقلت موريتانيا عام 1960 عن الاستعمار الفرنسي هاجمها المغرب وقال “إن حدودي تنتهي في نهر السنغال”، ولم يغترف باستقلالها إلا سنة 1969، زاستقلت الجزائر عام 1962 ولم يمضِ عام على استقلالها وهي خارجة من حرب ضروس منهكة فهاجمها المغرب بما يُعرف بحرب الرمال، ولما استقلت الصحراء الغربية 1975 عن الاستعمار الإسباني، إقتسمها مع موريتانيا واحتل القسم الأكبر منها بعد انسحاب موريتانيا من الاتفاق. مع العلم أن المغرب استقلت عام 1956 ولم تطالب الدول الاستعمارية آنذاك فرنسا وإسبانيا بالأراضي التي تدّعي ملكيتها ولم تطلق من أجلها رصاصة واحدة ولا حتى موقف سياسي ضد المستعمر.
ثانياً: الاستيطان، أن يأتي كل مستعمر بمستوطنين آخرين وينزع أراضي السكان الأصليين ويعطيها للمستوطنين. ومحاولة تغيير البنية الديموغرافية، فما عُرف بالمسيرة الخضراء في بداية غزو المغرب للصحراء وتبعتها دفعات أخرى من السكان المغاربة ليستوطنوا في الصحراء الغربية.
الجدران العازلة
ثالثاً: بناء الجدران العازلة، حيث بنى المغرب جدار عازل يقسم به العائلات الصحراوية طوله 2720 كلم زرعت به ما يقارب عشرة ملاين لغم أرضي وأسلاك شائكة ورادارات رصد وكل أنواع الأسلحة كان مستوحى من خط برليف.
رابعاً: تغيير ملامح المنطقة، فما يعرف بتهويد القدس وأرض فلسطين بتحطيم كل ما هو رمز لفلسطين وتعويضه برموز يهودية وكذلك جري الصهيونية وراء نقل سفارات العالم للقدس، تجري كذلك محاولات فتح قنصليات لدول في الصحراء الغربية وإعطائهم امتيازات تجارية في الصحراء لإقامة مصانع ومشاريع اقتصادية.
خامساً: التماطل في المفاوضات بتطبيق قاعدة “الكبار يموتون والصغار ينسون”. فالمغرب في مفاوضات مع جبهة البوليساريو منذ1991 ولم تصل إلى نتيجة لليوم.
إستبعاد سيناريو الحرب
اعتقد أن هذا التطبيع لم يغير كثيراً في الوضع على المنطقة، لأنه قائم منذ عقود، وصحيح أن خرق وقف إطلاق النار من طرف المغرب أرجع الحالة الصحراوية إلى ما قبل العام 1991. والمنطقة متأزمة وتعاني من كل أشكال الأعمال الإرهابية والتدخلات الأجنبية خاصة بليبيا ودول الساحل، لكن بإعتقادي أن تنشب حرب بين المغرب والجزائر فاستبعده لأن الجزائر ليست طرفاً في النزاع رغم محاولة المخزن إقحامها وإيهام الرأي العام العالمي والمغربي أن سبب النزاع في الصحراء هو بسبب الجزائر، وكذلك أن المغرب وداعميه يدركون تماماً قوة الجزائر والجيش الجزائري، لذا اعتقد أنهم لن يفكروا مجرد تفكير في تجربة الجيش والشعب الجزائري، وحرب الرمال التي خاضها الجزائريون بالفؤوس والعصي وأدوات الحصاد ضد الدبابات والطائرات وجنود نظامية مدربة عالقة في أذهانهم.
حل الأزمة
إن الحل في الصحراء الغربية، يحل وفقط وفق الشرعية الدولية وليس وفق أهواء ونزوات دول أو أفراد أو كيانات، فالقضية الصحراوية مدرجة في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ العام 1963. وأعطى هذا القرار الشعب الصحراوي حقه في الدفاع عن نفسه بكل الوسائل الممكنة منها استعمال السلاح والقوة من أجل طرد المستعمر، وبالفعل كوّن الشعب الصحراوي جيش تحرير عام 1973 سمي بجيش تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ما يعرف باسم (البوليساريو) وحارب الاستعمار الإسباني، مما اضطره للخروج من الصحراء العام 1975 لكن قبل خروجه وكعادة أي استعمار لغّم المنطقة باتفاق مدريد الذي قسم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، مع إعطاء إسبانيا امتيازات اقتصادية وبناء قواعد عسكرية عليها.
وهنا كان الاحتلال الثاني للصحراء الغربية من جيرانها وأعلنت جبهة البوليساريو الحرب عليهما مما اضطر موريتانيا الخروج من هذا الاتفاق وانسحابها إلى حدودها الدولية، وبقي المغرب محتلاً إلى اليوم، وبقيت الحرب قائمة بين المغرب والبوليساريو حتى عام 1991، وهنا السؤال المهم، أين اعترف الملك الحسن الثاني ملك المغرب بحق تقرير الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفق استفتاء تنظمه وتشرف عليه وتراقبه الأمم المتحدة؟، وفعلاً قرر مجلس الأمن إرسال بعثة أممية تسمى (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية) وباشرت أعمالها يوم 6 سبتمبر/ أيلول 1991 وقامت بعملية الإحصاء مستعينة بقاعدة البيانات للإحصاء الذي عملته إسبانيا عام 1975 أي قبل خروجها بعام واحد، إلا أن التماطل المغربي ومناوراته حال دون تحقيق بعثة الأمم المتحدة مهامها.
الصحراء الغربية هي عضو كامل في الاتحاد الإفريقي، إنضمت إليه المغرب لاحقاً. وكانت هناك مفاوضات مباشرة بين المغرب والحكومة الصحراوية في الولايات المتحدة وكذلك في سويسرا، وبالتالي إن الحل هو في تطبيق الشرعية الدولية وترك بعثة الأمم المتحدة تكمل مهمتها وتجري استفتاء يقرر من خلاله الشعب الصحراوي مصيره بأن يذهب إلى الاستقلال وتكوين دولته أو ينضم إلى المملكة المغربية، أو يكون في الإستفتاء خيارات إضافية.
أسباب الأزمة
إن أسباب الأزمة الأخيرة بسبب قيام المغرب على خرق وقف إطلاق النار الذي وقعه مع جبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة عام 1991 وأيضاً لأن المغرب شعر بنشوة انتصار سياسي حققه بفتح بعض الدول الفرنكوفونية الإفريقية التابعة للنفوذ الفرنسي وخاصة بعد فتح الإمارات العربية المتحدة قنصلية لها، على الأراضي الصحراوية كعربون أولي تمهيداً لإعلان المغرب التطبيع مع “إسرائيل”، كذلك كانت هناك تسريبات إعلامية غربية أن هناك صفقة تطبخ بين أمريكا والمغرب برعاية إسرائيلية سيتم بموجبها إعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء وتعترف بالمقابل المغرب بإسرائيل ويتم التطبيع العلني ويكون فتح السفارات بشكل رسمي، يضاف إلى ذلك، الدور الفرنسي المعروف منذ بداية الأزمة والعمل على إطالة الأزمات وتعقيدها في المنطقة خوفاً من بناء اتحاد مغاربي يحمي حقوق الشعوب.
الجزائر في موقفها الثابت والدائم من هذه القضية، تنظر إليها كقضية تصفية استعمار ويجب أن تحل وفق الشرعية الدولية وهي تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وهي داعمة له سياسياً ودبلوماسياً وإنسانياً، وهي ليست طرفاً في هذا النزاع، لذا لا حرب بين البلدين على الرغم من الاستفزازات المغربية المتكررة ومحاولة إغراق الجزائر بالمخدرات عبر الحدود الغربية واستفزازات أخرى وتعليق كل إخفاقاته على الجزائر إلا أن الجزائر تتعامل مع الوضع بحكمة وهي تعمل دائماً من أجل تحقيق وحدة مغاربية تحقق مطالب شعوب المنطقة.
أسوأ السيناريوهات
كما أشرت، استبعد قيام حرب بين البلدين بسبب إدراك المغرب ومن هو وراءه أن قوة الجيش الجزائري وتلاحم الشعب والجيش تجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على عمل عدائي ضد الجزائر، وإن لا قدر الله وارتكبت حماقة الاعتداء على الجزائر فاعتقد أن الوضع لن يمس منطقة المغرب العربي فقط بل سوف يطال كل الدول العربية وخاصة المطبعة لأن هذا التطبيع هو قشرة فلين تطفو فوق سطح بركة راكدة من غضب الشعوب، التطبيع العربي – الإسرائيلي هو بين القادة الذين يحافظون على كراسيهم بالحماية الأمريكية والرعاية الإسرائيلية، لكن الشعوب هي رافضة تماما لهذا التطبيع، والدليل الشعب المصري الذي لم يطبع لمدة أكثر من أربعين سنة رغم التطبيع الرسمي بين الحكومات. وكل الشعوب العربية والإسلامية أصبحت مستوعبة تماما للقضية الصحراوية ومظلومية الشعب الصحراوي بعد أن قام ترامب بربط القضيتين مع بعضهما البعض بمقايضة وتبادل اعتراف احتلال لإحتلال، وكشفت نظام المغرب في اعتداءه على الشعب الصحراوي وشرعية الشعب الصحراوي في كفاحه، لوكان المغرب يملك الصحراء كما يدعي فكيف يقتسمها مع موريتاني سابقاً واليوم يقايضها باعتراف وتطبيع مع “إسرائيل”.
خاص وكالة رياليست – د. أحمد كروش – خبير أمني – مراقب أممي سابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام – الجزائر.