دمشق – (رياليست عربي): عقود مضت والشعوب تدفع أثمان عناوين الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والحرية الاقتصادية، وكانت واشنطن تقدم نفسها على اأها العرابة التي تحمي وتحافظ وتنشر هذه القيم، وقدمت نفسها وحلفائها الغربيين على أنهم حمائم سلام تجلب للإنسانية الأمان والطمأنينة، وبحجة نشر الديموقراطية شرعنت واشنطن لنفسها خوض الحروب وتدمير البنى التحتية للدول وجعل الدول المستهدفة أكثر فقراً وأشد قهراً.
لتأتي الحرب الروسية الأطلسية التي تدور رحاها على الأرض الأوكرانية لتزيل الأقنعة عن وجه حمائم السلام وتظهر وجوه الغربان لتصبح هنا الحروب بلا قيود لتسقط الليبرالية في خندق العقوبات التي طالت أفراد وشركات روسية مما يشكل انهيار للنظرية الليبرالية الأمريكية التي قادت العالم من خلالها.
بعد مضي شهر على هذه الحرب التي كانت أيامها حافلة بالاجتماعات والجولات المكوكية بين قادة البيت الأبيض وحلفائهم في الجهات الأربع من العالم لتأمين أكبر عدد ممكن من الدول لإطلاق البيانات والخطابات التي تحمل الإدانة والاستنكار وقطع العلاقات وفرض العقوبات مع روسيا الاتحادية في سابقة لم يشهد العالم لها مثيل في تاريخ الحروب.
اتخذت واشنطن والغرب من سياسة العقوبات الاقتصادية على روسيا سلاحاً وبدأت تضرب فيه حتى أرهقته وأصبح عديم الفائدة بينما كلان سلاح روسيا حرباً عسكرية لها بنك أهداف تمضي في تحقيقه عبر ترسانتها العسكرية وتحقق أهدافها بكل ثبات، بالإضافة للرد على العقوبات الأطلسية لتحول خساراتها من هذه العقوبات إلى نصر استراتيجي يدخل عملتها الوطنية في البورصة العالمية إلى جانب الدولار واليورو.
عملت واشنطن ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية إلى تثقيل الملفات بما لا يترك مجالاً ولو في المستقبل القريب أو المتوسط للوصول إلى وقف إطلاق النار والذهاب لحل سياسي يأخذ بعين الاعتبار المخاوف الجوهرية لروسيا المتعلق بالأمن الاستراتيجي لروسيا وأوروبا بما يأخذنا إلى القول بأن أمريكا تقامر بمستقبل الغرب وشعوبه لصالح استمرار هيمنتها على العالم، لتصبح أوكرانيا بؤرة استثمار أمريكي غربي يستنزف فيها الفرقاء بينما تقف واشنطن متفرجة وهي تقول ما أجمل هذا المنظر.
تحاول واشنطن والغرب وعبر منابرهم تقديم أنفسهم وكأن شيئاً لم يحدث وكأن أمريكا لم يهتز عرشها ومن يدور في فلكها آمن وهذا كل ما يدور في رأس صانع السياسات الأمريكي الحفاظ على هيبة أمريكا عالمياً للحفاظ على تبعية الدول لهذا العرش المترنح.
ولعل المتابع للاجتماعات الأمريكية الأوروبية والتي لم تستطع أن تخفي وراءها ضعفها من خلال الحديث عن ما بعد الحرب الروسية وهذا يعني التسليم بالنصر الروسي في أوكرانيا، من هي الدول التالية لتمدد الاتحاد الروسي، وهذه المخاوف شكلت نقطة صراع ستأخذ وجها الحقيقي من أشكال الصراع المستقبلي بين الغرب والشرق الذي ترى فيه واشنطن منافسين حقيقيين على سيادتها العالمية. وهذا بدى جلياً من خلال حث الرئيس الأمريكي جو بايدن لحلفائه الغربيين على ممارسة الضغوط الغربية على الصين في اجتماعهم المرتقب في بداية الشهر المقبل لمعرفة موقفها مما يجري في أوكرانيا، وفي هذا المطلب الأمريكي يؤكد أن هناك مخاوف لدى واشنطن من هذا التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني الذي حاولت واشنطن نسفه قبل بدء الحرب في أوكرانيا من البوابة الروسية وهذا ما فشلت به.
وفي الخلاصة، فشلت واشنطن في استراتيجية العقوبات الاقتصادية سابقاً في أكثر من دولة ولم تحقق أهدافها المتمثلة بتضييق الخناق على الشعوب لتنتفض من الداخل وتسقط حكامها وهذا مطلب أمريكي غربي من خلال العقوبات القصوى على روسيا للتضييق على الشعب الروسي ودفعه للخروج على نظامه وقادته، وهذه الاستراتيجية ستفشل أيضاً في روسيا لأن الشعب الروسي مع قيادته ويدعمها في الدفاع عن الأمن القومي الروسي ضد النازيين الجدد، بل انقلب السحر على الساحر لنرى الشعوب الأوروبية هي من دفعت ثمن هذه العقوبات التي تبناها ساستها لإرضاء السيد الأمريكي، بينما الرئيس فلاديمير بوتين ترتفع شعبيته في الداخل الروسي ولن يستطيع سيد البيت الأبيض منع سيد الكرملين من اعتلاء منبره ليعلن انتصاره.
خاص وكالة رياليست – د. حسناء نصر الحسين – باحثة في العلاقات الدولية – سوريا.
