موسكو – (رياليست عربي): بعد أن اجتمع مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون في المملكة العربية السعودية مساء أمس الأحد بتاريخ 23 مارس 2025، أي قبل يوم واحد من بدء محادثات الفريقين الأمريكي والروسي التي ستجري محادثاتهما اليوم، في إطار الجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، وذلك في أعقاب العملية العسكرية الروسية التي بدأها الكرملين في أوكرانيا:
- أكد وزير الدفاع الأوكراني (رستم عمروف) أن الجولة الأخيرة من المحادثات بين المسؤولين الأوكرانيين والأمريكيين في الرياض بشأن خفض التصعيد في الحرب مع روسيا الإتحادية كانت “مثمرة ومركزة”، مؤكداً بأن النقاش كان مهتماً بتناول كافة الملفات بما فيها ملف الطاقة، ومضيفاً بأن أوكرانيا تعمل على تحقيق هدفها المتمثل في (سلام عادل ودائم).
- وتأتي هذه الإجتماعات في أعقاب سلسلة المحادثات التي عقدت مؤخراً في المملكة العربية السعودية، أولاً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، ثم بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، حيث قبلت كييف اقتراح هدنة لمدة 30 يوماً، ليعلن الرئيس (فولوديمير زيلينسكي) من بعدها بأن هذا الأمر سيسمح لكييف بالتحرك “بسرعة وفعالية كبيرتين”.
- ومع ذلك، قال مسؤولون أوكرانيون إنهم ما زالوا يعتبرون اجتماع أمس الأحد في الرياض بأنه مجرد اجتماع فني بحت، فيما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية (هيورهي تيخي) أن كلا الجانبين الأوكراني والأمريكي سيوضحان الوسائل والفروق الدقيقة لأنظمة وقف إطلاق النار المختلفة المحتملة وكيفية مراقبتها، وكيفية السيطرة عليها، بشكل عام، وما الذي يشمل نطاقها.
- وقد وافق الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) منذ يوم الثلاثاء الماضي 19 مارس 2025 على اقتراح الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بأن توقف روسيا الإتحادية وأوكرانيا كافة الهجمات على البنية التحتية للطاقة الخاصة بكل منهما، وذلك لمدة 30 يوماً، حيث أمر الرئيس بوتين وحدات الجيش الروسي بوقف ضربها فعلاً، لكن الإتفاق لم يرق إلى مستوى إتفاق أوسع نطاقاً لوقف إطلاق النار، كالذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إليه، حيث دعمته كييف لتحقيق هدنة 30 يوماً في هذه الحرب فقط.
- وقد أكد الرئيس (دونالد ترامب) مساء السبت 22 مارس 2025 أن جهود وقف التصعيد في الصراع الأوكراني الروسي باتت تحت السيطرة نوعاً ما، حيث تأمل الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل خلال أسابيع، مستهدفةً التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار بحلول 20 أبريل نيسان 2025. فيما أكد الكرملين الروسي أن الخبراء الروس والأمريكيون سيجتمعون مجدداً في القريب العاجل في المملكة العربية السعودية لبحث سبل ضمان سلامة الشحن في حوض البحر الأسود .
- ورغم كل هذا النشاط الدبلوماسي، أعلنت روسيا الإتحادية وأوكرانيا عن استمرار الضربات، في حين واصلت القوات الروسية التقدم ببطء في شرق أوكرانيا، وهي المنطقة التي أعلنت موسكو أنها ضمتها، فيما أكد مسؤولون أوكرانيون مساء الأحد 23 مارس 2025 أن هجوماً واسع النطاق بطائرات روسية بدون طيار على كييف خلال الليل أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، وتسبب في اندلاع حرائق في مبان سكنية شاهقة وأضرار في جميع أنحاء كييف.
- من الجانب الأمريكي: رفض المبعوث الأمريكي (ستيف ويتكوف) كافة محاولات رئيس الوزراء البريطاني (كير ستارمر) لحشد قوات حفظ السلام في أوكرانيا واصفاً إياها بأنها عملية للتظاهر، مضيفاً بأن هذه الفكرة مبنية على فكرة مبسطة لرئيس الوزراء البريطاني وقادة أوروبيين آخرين، يعتقدون بأنهم يمكنهم أن يصحبوا مثل (ونستون تشرشل)، ولهذا السبب قلل ويتكوف من مخاوف حلفاء واشنطن الأوروبيين في حلف الناتو من أن أي اتفاق سلام في أوكرانيا، من شأنه أن يشجع الرئيس بوتين على غزو جيران روسيا الإتحادية الآخرين، مؤكداً لهم بأن الرئيس بوتين لا يريد الإستيلاء على أوروبا بأكملها، لأن هذا مختلف تماماً عما كان عليه الوضع في الحرب العالمية الثانية. فيما قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض (مايك والتز)، إن واشنطن تدرس مجموعة من تدابير بناء الثقة في المحادثات المتعلقة بالحرب، بما في ذلك مستقبل الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا الإتحادية، ومضيفاً أنه بعد التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار في البحر الأسود ستتم مناقشة خط السيطرة بين الجانبين، والذي سيتقدم خطوط المواجهة الفعلية، وسيشمل تفاصيل آليات التحقق لتثبيت خطوط التماس عند وجودها.
كيف يسير الوضع العكسري على طول خط الجبهة اليوم الإثنين 24 مارس 2025 بالتزامن مع التوصل إلى الهدنة المنتظرة لمدة 30 يوماً بين القوات الروسية و الأوكرانية فيما يتعلق بمحطات الطاقة في البلدين وبالتزامن مع المحادثات الجارية حالياً في المملكة العربية السعودية؟
- قُتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص في وابل من الغارات الجوية التي شنّتها أكثر من 140 طائرة مسيرة روسية في جميع أنحاء أوكرانيا، حيث سُمع دوي الإنفجارات في الساعات الأولى من الليل في أنحاء العاصمة كييف، واستمرت الغارات الجوية لأكثر من خمس ساعات. وسقطت طائرات روسية مسيرة ومعها حطام طائرات مسيرة أخرى، من تلك التي كانت تُحلّق على ارتفاعات منخفضة لتفادي الدفاعات الجوية المتمركزة على أسطح الأبنية السكنية في جميع أنحاء كييف، كما ضرب القصف الروسي مناطق (خاركيف) و(سومي) و(تشرنيغوف) و(أوديسا) و(دونيتسك).
- كما أعلنت شركة السكك الحديدية الأوكرانية الحكومية (أوكرزاليزنيتسيا) أن أنظمة الإنترنت لديها قد تعرضت لهجوم إلكتروني واسع النطاق ومُستهدف، حيث أوضحت الشركة أن عملية استعادة الأنظمة الإلكترونية جارية، وأن حركة القطارات مستقرة وتعمل بدون تأخير. فيما أعلنت القوات الجوية الأوكرانية صباح اليوم الإثنين 24 مارس 2025 أنها أسقطت 57 طائرة مسيرة من أصل 99 أطلقتها روسيا الإتحادية، مضيفةً بأن 36 طائرة مسيرة مقلدة أخرى لم تصل إلى أهدافها، دون تحديد مصير الطائرات الست المتبقية. أما السلطات الروسية، فقد أعلنت هي الأخرى بأن دفاعاتها الجوية قد دمرت 59 طائرة أوكرانية بدون طيار كانت تستهدف المناطق الجنوبية الغربية من البلاد، مضيفة أن الضربات أسفرت عن مقتل شخص واحد في (روستوف)، وذكرت التقارير أن القوات الروسية سيطرت على قرية (سريبني) الصغيرة في منطقة (دونيتسك) شرق أوكرانيا ، في حين قال الجيش الأوكراني إن قواته استعادت قرية صغيرة تسمى (ناديا) في منطقة (لوغانسك) الشرقية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، أنه وبالتزامن مع العملية التفاوضية التي يقوم بها الجانبين الروسي و الأمريكي حالياً، يحاول الجانب الأمريكي وقف الحرب في أوكرانيا بالتزامن مع تاريخ 20 أبريل نيسان 2025 والذي يتزامن مع يوم عيد الفصح المبارك.
- وبحسب الخبير العسكري الروسي، اللواء الركن (فلاديمير بوبوف)، لا يبدو أن نظام كييف الذي أُجبر على الهدنة الأخيرة بعد محادثة هاتفية مع واشنطن، ينوي التخفيف من حدة المواجهة العسكرية ضدَّ القوات الروسية، لأنه وفي ليلة 20 مارس آذار 2025 أسقطت الدفاعات الجوية الروسية 132 طائرة مسيرة للعدو الأوكراني (على حد وصفه)، وذلك فوق خمس مناطق روسية وفوق شبه جزيرة القرم.
- ويضيف اللواء (فلاديمير بوبوف) أن الأوكرانيين يستغلون غياب آلية واضحة للحد من هذه الغارات الجوية، ولذلك فقد بدأوا بزيادة هجماتهم ضدَّ القوات الروسية بدلاً من تخفيفها، وهو الأمر الذي دفع القيادة الروسية للتأكيد على التزامها بالإتفاقيات التي توصلت إليها موسكو مع واشنطن، والتي ستتجنب بموجبها توجيه ضربات إلى منشآت الطاقة الأوكرانية ذات الإستخدام الإجتماعي.
- ولكن، وفي الوقت نفسه، يؤكد اللواء (فلاديمير بوبوف) بأن روسيا الإتحادية، وفي حال تمادت أوكرانيا في خروقاتها العسكرية، فإن روسيا الإتحادية ستضرب البنية التحتية للمطارات ومؤسسات المجمع الصناعي العسكري وأنظمة الدفاع الجوي الأوكراني لأنها تقع جميعها تحت المراقبة الدقيقة من قبل القوات المسلحة الروسية، وخاصةً شبكة المطارات، وعقد سكك الحديد، والطرق السريعة المرتبطة بقدرات الإنتاج الصناعي للمجمع الصناعي العسكري الأوكراني، حيث وضعت هيئة الأركان العامة الروسية خططاً للتعامل مع هذه المنشآت العسكرية الأوكرانية، وكذلك ينطبق الأمر أيضاً على مستودعات الموانئ ومستودعات التخزين في مدن (أوديسا) و (نيكولاييف) وكذلك الموانئ القريبة منهما، والتي تخدم القوات المسلحة الأوكرانية أيضاً، وخاصة المكون البحري الأوكراني على البحر الأسود، حيث سيكون لكل هذا الأمر تأثير كبير على مجريات الهدنة المزمع التوصل إليها حالياً.
- فيما يرى الخبير العسكري والأمني الروسي (أندري ريزتشيكوف) بأن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) يستطيع أن يجبر أوروبا على وقف تسليح أوكرانيا، لأن الحل السلمي للصراع في أوكرانيا مستحيل من دون وقف تزويدها بالأسلحة، وقد جرت مناقشة هذا الموضوع بين الرئيسين بوتين وترامب خلال المحادثة الهاتفية، لكن أوروبا تصر على استمرار الدعم العسكري للقوات المسلحة الأوكرانية، وهنا تبرز مسؤولية الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لكونه هو الشخص الوحيد الذي يتحمل مسؤولية وقف توريد الأسلحة الأمريكية والأوروبية خلال مفاوضات التسوية.
- وفي هذا الصدد، يتحدث خبير روسي ثالث هو الخبير (أندريه بيستريتسكي) رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية والدعم بنادي فالداي، فيؤكد بأن (دونالد ترامب) يطمح ليكون زعيم العالم الحديث ويقول إنه سيحل كل شيء. ولذلك فإن وقف نقل الأسلحة إلى أوكرانيا بما في ذلك من أوروبا يقع على عاتقه.
- فيما يضيف خبير روسي رابع، هو الخبير الروسي العالمي (فلاديمير فاسيليف) والذي يشغل منصب كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، فيؤكد بأن عملية توريد الأسلحة وتوفير البيانات الإستخباراتية إلى أوكرانيا هو الرافعة الرئيسية المتاحة للأمريكيين للضغط على نظام كييف حالياً، لأنه وفيما يتعلق بالحلفاء الأوروبيين، قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض رسوم جمركية ومحاولة إعادة التفكير بشكل غير مباشر في قواعد وجود حلف شمال الأطلسي، فإذا استمر الإتحاد الأوروبي بتوريد الأسلحة لأوكرانيا، فسيصبح هذا الأمر مشكلة في العلاقات (الأمريكية الأوروبية)، وإذا استمرت فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا في تأكيد حقوقها، فهنا قد يفرض الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) رسوماً جمركية للضغط على الحلفاء الأوروبيين والأوكرانيين لأسباب عسكرية وليس لأسباب إقتصادية.
- ويضيف الخبير الروسي (فلاديمير فاسيليف) أن روسيا الإتحادية، وحتى لو اضطرت في نهاية المطاف إلى حل قضية إمدادات الأسلحة مع أوروبا بشكل منفرد، فسيكون لديها العديد من الفرص لتحقيق النتيجة المرجوة، خاصةً وأن موسكو لديها العديد من الأنصار السياسيين في مختلف عواصم الدول الأوروبية وبلدان الإتحاد الأوروبي، ويمكنها استخدام هؤلاء الأنصار من أجل الضغط لتحقيق أهدافها.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.