إذ أن شمولية هذا العصر هي أخطر من أي شمولية مرت على البشرية، وذلك بسبب عدم وجود قائد أو مصدر أو حاكم يقود النظام الشمولي الحديث، بل على العكس هم منتشرون بكثرة في المجال الثقافي والسياسي والاقتصادي والحياة اليومية، ويتغلغلون في كل مكان، حيث أن اتباع وأنصار هذا النظام الشمولي ومؤيدوه ليسوا أقلية كما كان في الأنظمة الشمولية السابقة، ولكن الغالبية من أنصار هذا النظام الحديث هم من الطبقة الراقية من الكتّاب والموظفين. حيث أنهم يريدون أن يسيطروا على الشعب بكافة أساليب حياتهم ومعرفة طرق تفكيرهم وأصدقائهم، ويكون ذلك من خلال التحكم بحياتهم عن طريق النظام الشمولي.
ومن أحد اشكال الشمولية الحديثة هو شمولية تناول الطعام والتي هي مثل الجوانب الأخرى من الحياة تشهد تحولات عالمية كبيرة، بالعودة إلى ناحية الشمولية المتعلقة بالطعام أصبح هناك مثل شائع يقول: “تستطيع معرفة الإنسان من نوع الطعام التي يتناوله”.
روسيا والشمولية الحديثة
ليس من قبيل المصادفة أن تتغلغل الثقافات الأخرى في روسيا اليوم، حيث يتم ذلك بشكل أساسي من خلال المطاعم والطعام. ويمكن أن نقول إننا قمنا بإغلاق السفارة الأمريكية في موسكو، لكن لا ينبغي أن ننسى أن بدائلها لا تزال موجودة كالسفارة الأمريكية الرئيسية “ماكدونالدز” التي يزورها مئات الآلاف من الأشخاص في المدن الروسية كل يوم.
فالطعام ليس مجرد حاجة بل هو أكثر من ذلك، تمامًا مثل الهاتف، وبسبب العولمة وانتشار ثقافة الوجبات السريعة نشأت مخاوف جديدة من الغذاء، ليس من قبيل الصدفة أن التقاط صور للطعام ونشر وجبات الغداء والعشاء على تطبيق إنستغرام أصبح مقبولًا عالميًا اليوم. لذلك، في العلوم اليوم، يوجد بالفعل اتجاه بحثي، يدعى الدراسات الغذائية، والذي يدرس فلسفة وعلم فسيولوجيا ثقافة تذوق الطعام، حيث بدأت الوجبات السريعة تحل مكان الوجبات التقليدية لكل بلد، وبذلك تدمر ثقافة شعوب بأكملها باعتمادهم على الوجبات السريعة. الأمر الذي تفاقم بسبب إنتشار الوجبات السريعة ليصبح هناك بدانة في كل المجتمعات، إلا أن ذلك ليس بمشكلة إذا ما قورن مع أساس المشكلة حول هذه الثقافة التي شوهت العلاقات الأسرية من ناحية تشارك الطعام، فالأمر الخطير هو أنه إلى ماذا سيؤدي ذلك في المجتمعات بسبب شمولية الوجبات السريعة في المستقبل القريب.
بوريس ياكيمينكو – مؤرخ ، وأستاذ مشارك في قسم التاريخ الروسي ، جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا.