لقد كتب المحللون السياسيون والكتاب عن حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، عن فالنتين يوماشيف، بوريس بيريزوفسكي، ألكسندر فولوشين لكن نادرا ما كتبوا عن يلتسين، علما أن يلتسين يمثل حالة فريدة في حبه وعشقه للسلطة.
هذه المقالة هي عبارة عن محاولة للإجابة عن بعض التساؤلات حول شخصية بوريس يلتسين.
كيف تمكن شاب بسيط من منطقة أورال الصعود بسرعة نحو السلطة؟
في بداية حياته كان يلتسين شابا عاديا، درس في بوشكين الثانوية في بيريزنيكي ببرم كراي، ثم إلتحق في معهد الأورال التقني بسفيردلوفسك، في تخصص البناء في كومسومول، لكن عام 1968 تمكن يلتسين من الانضمام للحزب الشيوعي الذي غير حياته، في عام 1963 عين كبيرا للمهندسين في شركة للبناء في سفيردلوفسك وفي عام 1965 أصبح رئيسا لقسم البناء في سفيردلوفسك، في عام 1968 تم انتخابه سكرتيراً أولا للحزب الشيوعي عن مدينة سفيردلوفسك.
وما ساعد يلتسين في الارتقاء في السلطة شخصيته التي يمتلكه حيث وصف نيتشه هؤلاء الأشخاص بالأشخاص الذين يملكون إرادة السلطة ويلتسين ساعدته قوته وإرادته في الوصول للسلطة.
وأيضا استخدم يلتسين العديد من الأساليب من أجل الوصول للسلطة ومن أحد أساليبه هو صيد أخطاء القيادة العليا في الحزب مما يؤدي لوقوعهم، وبالتالي هذا ما ساعده للوصول للسلطة وهذا ما سمح له لأخذ العديد من زمام المبادرة لقد نجحت شخصية يلتسين العاشقة للسلطة بجذب ياكوف ريابوف أحد الشخصيات الرئيسية في الحزب الشيوعي الذي ساعد في ارتقاء للسلطة ومن ثم تسلمه رئيس اللجنة الإقليمية في سيفردلوفسك.
كيف استطاع يلتسين الانتقال من رئاسة اللجنة الإقليمية لقيادة الاتحاد السوفياتي؟
في المرحلة الأولى، كان هناك أشخاص جدد في اللجنة المركزية للحزب وهم من الأقلية الساحقة، الذين شغلوا مناصب هامة رئيسية، كان يلتسين من هؤلاء الأشخاص، الذي لم يمتثل لأسلوب بريجنيف، ومن المؤكد أنه لن يدعم نيكولاي تيخونوف وغريغوري رومانوف، ويلتسين نفسه لم يكن راضيا عن خط بريجنيف للسلطة، والذي ببساطة لن يكون لديه الوقت للوصول إلى القمة.
لذلك، فإن الأشخاص الذين وعدوا بتفريق النخب القديمة للحزب كانوا سعداء به.
لقد تعاون يلتسين مع ميخائيل غورباتشوف لتفكيك النخبة القديمة ولكن كل منهما عمل لمصلحته حيث أراد غورباتشوف الحفاظ على السلطة بينما أراد يلتسين الحصول عليها.
لماذا كان في المعارضة؟
أصبح الفرق في الأهداف أساس الصراع بين يلتسين وجورباتشوف. نشأ الصراع عندما قام الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي، بناء على طلب من ايجور ليغاشيف، بتعيين يلتسين السكرتير الأول للجنة عن مدينة موسكو التابعة للحزب الشيوعي. كان ينظر إلى موسكو من قبل الشعب الجديد على أنه إرث المحافظين، والسكرتير الأول لاتحاد موسكو فيكتور جريشين، كزعيم للمعارضة. المطلوب هو رجل حاسم، وقادر على تفريق نخب موسكو. كان يلتسين مناسبًا تمامًا لهذه المهمة.
ولكن لسوء حظ الأمين العام، انتقل بوريس يلتسين، الذي ترأس موسكو، من فئة المسؤولين إلى السياسيين العامين. واستطاع يلتسن بشخصيته كسب ثقة الشعب والعمال في موسكو.
ولكن النقطة الحاسمة كان في اجتماع في اللجنة المركزية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1987 حيث أدلى يلتسين ببعض الانتقادات لجورباتشوف الذي وصل مع فريقه لطريق مسدود مما أتاح ليلتسن الوصول بسهولة للسلطة وهذا ما يثبت حب يلتسن للسلطة ولكنه أصبح بحسب رأي الحزب ضد السلطة الحاكمة وهذا ما أدى إلى كسب يلتسن المزيد من الشعبية وبهذا أصبح رئيسا للاتحاد السوفياتي القديم.
لماذا هزم يلتسين غورباتشوف؟
لم يستطع غورباتشوف مقاومة زعماء الجمهوريات السوفياتية السابقة، لذلك قام بإعلان حالة الطوارئ وهذا ما دفعه لاستغلال حالة الطوارئ خصوصا أن غورباتشوف قد فشل في إدارة أزمة البلاد، مما اضطر إلى تعين أشخاص موالين ليلتسن في جميع المناصب الرئيسية لحل الأزمة السياسية في البلاد، هذا ما دفع يلتسين إلى استغلال الوضع والسيطرة الكاملة على الاتحاد السوفياتي، إذ أن حب يلتسن للسلطة دفع به لاستغلال جميع الظروف من أجل تحقيق هدفه.
لماذا قاد يلتسين الاتحاد السوفياتي إلى الانهيار؟
لقد واجه يلتسن مشكلة هامة جدا وهي الحفاظ على الاتحاد السوفياتي أو إنهاء هذا الاتحاد، إذ كان يلتسن المرشح الوحيد لقيادة هذا الاتحاد لأنه ببساطة يتمتع بالقوة وعشق للسلطة، لكنه كان مدركا أن الحفاظ على الاتحاد السوفياتي سيؤدي به إلى المخاطرة بحياته سياسيا، خصوصا أنه شهد كيف الاتحاد السوفياتي أنهى مسيرة غورباتشوف السياسة.
ولقد عاش يلتسن تناقضا كبيرا حيث ألقى خطابا في مجلس الاتحاد السوفياتي الأعلى حول ضرورة المحافظة على هذا الاتحاد، وبعد يوم من خطابه قام بتوقيع اتفاقية بيالويزا الذي تنص على ضرورة تفكيك الاتحاد السوفياتي. ولقد فعل يلتسن كل شيء من أجل الحفاظ على سلطته وضحى في مستقبل البلاد.
كيف تمكن يلتسين من البقاء في السلطة؟
تمكن يلتسن من البقاء في السلطة بسبب دعم الشعب له، ولكن بحلول عام 1993 انخفض هذا الدعم بشكل كبير ولم يبقَ له شعبية أبدا بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية في روسيا في التسعينات، ولكنه بالرغم من ذلك استطاع الفوز في الانتخابات وهزيمة لجنة الطوارئ وبذلك أثبت يلتسن أن حبه للسلطة فوق كل شيء.
لماذا غادر؟
يقول ديمتري جوراليف: “إنه لا يصدق كيف استقال يلتسين طوعا من منصبه في 31 ديسمبر 1999 بالرغم من عشقه للسطة. في ظل ضغوط داخلية هائلة، وترك الرئاسة لخليفته المختار، وهو رئيس الوزراء آنذاك فلاديمير بوتين”.
يرجح الكاتب أن سبب الاستقالة يعود لسببين:
أولاً– بحلول هذا الوقت، كان يلتسين يعاني من مرض خطير. السلطة لم تعد تلعب دورا مهما له كما كان من قبل.
ثانياً- كانت هذه الاستقالة منطقية للغاية، حيث بنقل سلطة لفلاديمير بوتين استطاع المحافظة على ثروته.
يلتسين هو تجسيد حي لإرادة السلطة. والمفارقة الواضحة في حياته المهنية هي نتيجة هذه الإرادة. طوال حياته تماهى في الذهاب إلى السلطة، وعلى استعداد لإعطاء كل شيء لأجل السلطة، بما في ذلك البلاد، وحياة ورفاهية مواطنيها. هذه ليست نتيجة لفساده، ولكن نتيجة لشغف وحبه للسلطة.
دميتري جورافليف – مدير معهد القضايا الإقليمية ، خاص بوكالة أنباء «رياليست»