القاهرة – إسلام عبدالمجيد(رياليست عربي): في الجنوب السوري، تقع محافظة السويداء، وبما يميز المدن السورية عامة، فإن السويداء لها من الإرث ومن الثقافة ومن التاريخ الباع الطويل، وهي أيضاً التى تتميز بطبيعتها الجبلية، وبيئتها الزراعية الفريدة، وباحتوائها على مكون سوري مهم وهو المكون الدرزي، والذي يمثل حوالي 3% من سكان سوريا، محافظة السويداء هي أيضاً ذات طابع جغرافي مهم لسوريا بشكل عام، فبالإضافة إلى أنها تتواجد على الحدود السورية – الأردنية من الجنوب، تحدها أيضاً محافظة ريف دمشق من الشمال، وبادية الشام من الشرق، بالإضافة لمحافظة درعا من الغرب.
نجد أيضاً أنها من المحافظات السورية الواقعة بالقرب من إسرائيل، وهنا تكمن الأهمية الجيو – سياسية لمحافظة السويداء، والمعروف سلفاً بجانب ذلك، أن السويداء مشهورة بتاريخها الوطني المشهود فى ذاكرة سوريا الحديثة والمعاصرة ضد القوى الإستعمارية التى مرت على سوريا، فمن جبل الدروز حيث مدينة السويداء انطلقت الثورة السورية الكبرى ضد الإستعمار الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين بزعامة سلطان باشا الأطرش، وفي السويداء أيضاً هذا العام ظهر حراك شعبي محتج وغاضب على سياسات السلطة السورية مؤخراً، حيث نريد أن نتناول الأسباب المؤدية لهذا الحراك ومدى تأثيره الفعلي خاصة بعد تعليق المظاهرات، وهل الحراك الأخير مؤامرة كما يفترض البعض أم أن الواقع المرير أقوى بكثير من هذه الفرضية؟
رمزية الحراك
مما لاشك فيه، أن الحراك الذي قام به بعض أبناء مدينة السويداء في الأيام القليلة الماضية، كان جرس إنذار كبير للسلطة السورية، لما تحمله السويداء من قيمة لسوريا وللسلطة الحاكمة فى دمشق أيضاً، فالسويداء بأهلها الدروز، كانوا من ضمن الأطراف والأقليات التى لم تنجرف وراء تيار الاحتجاجات في عام2011 ضد الرئيس بشار الأسد، وما تلاها من نزاع عسكري مسلح بين المعارضة والحكومة في أغلب المحافظات السورية.
والتزم أهل السويداء بالحياد خلال هذه الفترة، وظلت المحافظة تحت مظلة الحكومة السورية طوال فترات الحرب، بل إن أبناء المحافظة تصدوا لهجمات ومحاولات عديدة من التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش لدخول المدينة، كما أن السويداء استقبلت أعداداً كبيرة من النازحين السوريين من باقي المحافظات الأخرى وعلى رأسها محافظة درعا المجاورة لها حيث كانت شرارة المظاهرات فى 2011.
كما أن المخاوف كانت كبيرة لدى أهل السويداء من المعارضة المسلحة، والتى كان ينتمي أغلبها لتيارات جهادية وسلفية متطرفة، توعد أغلبها بالبطش بالدروز وبباقي الأقليات الأخرى ومنها الطائفة العلوية التى ينتمي لها الرئيس بشار الأسد، لذا فإن العلاقة بين أهل السويداء والقيادة السياسية في دمشق إلى حد ما كانت في وفاق ملحوظ، طوال سنوات الأزمة.
وبالتأكيد فإن كل هذه العوامل لها رمزية كبيرة قد تدفع الرئيس بشار الأسد وحكومته، لمراجعة بعضاً من حساباتهم بعد التظاهرات الأخيرة في السويداء، حتى مع تعليق المتظاهرين والذين قدروا ببضع آلاف فقط لإعتصامهم، حيث تعد هذه الظاهرة هي الأولى من نوعها بالمدينة منذ بداية الأحداث في 2011 بسوريا، حتى وإن حدثت بعض التظاهرات البسيطة فى يونيو/ حزيران من عام 2020(1)، ولكن ما حدث في بداية شهر فبراير/ شباط الحالي كان أكثر حدة وأشد فى لهجة النقد للسلطة السورية، بل وصل الحال للدعوة لإسقاط النظام نفسه، ولعل غياب العلم السوري عن مشهد التظاهرات، وحضور علم الطائفة الدرزية فقط بالحراك الأخير، لهو في واقع الأمر حدث مهم ذو دلالات واضحة حول خطورة الموقف على السلطة في دمشق.
دوافع حراك السويداء
لاشك أن الحراك الأخير بالسويداء كان مصحوباً بدوافع حقيقية وأسباب موجودة حقاً على أرض الواقع، وذلك على عكس بعض الإنتقادات التى وجهت لهم بدعوى المؤامرة الخارجية وخاصة لبعض المحسوبين على الدولة السورية، ومن ضمن هذه الدوافع:
أولاً: سوء الأحوال المعيشية في سوريا
لا يخفى على أحد ما تمر به سوريا عامة من أوضاع معيشية وإقتصادية مزرية، وذلك سواء في مناطق سيطرة الحكومة السورية أو المناطق الأخرى التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، والسويداء بالتأكيد ليست إستثناء، رغم أن المحافظة لم تتعرض لما تعرضت لها أغلب المحافظات السورية من دمار ونزوح للسكان.
ولكن تظل الحالة العامة فى سوريا سيئة للغاية على كافة الأصعدة، مما دفع بعض مواطني السويداء للخروج والتعبير عن إستيائهم من الوضع الحالي، وبالتحديد فيما يخص القرار الحكومي الأخير والصادر من وزارة الإتصالات السورية، بتطبيق إزالة الدعم الحكومي عن مجموعة من حاملي البطاقة الذكية، والتى وصفتهم الحكومة بأنهم الفئات الأكثر ثراءاً.
ولكن شمول هذا القرار لما يقرب من 589 ألف بطاقة(2)، يشير إلى عكس ذلك، فهذا الرقم لا يمكن أن يعتبر على الإطلاق بالرقم القليل، خاصة في الظروف الحالية التي تمر بها سوريا، وهو ما زاد من غضب أهالي السويداء كما أغضب أغلب السوريين، خاصة أن التطبيق الفعلي للقرار كان مجحفاً أيضاً، فهناك أسر تم حرمانها من الدعم بناءاً على ملكيات كانت موجودة لأشخاص توفوا منذ فترات طويلة، بل إن هناك من تم منع الدعم عنهم لإمتلاكهم سجل تجاري، وهذه الأسباب بكل تأكيد غير عادلة.
ثانياً: التجنيد الإلزامي
دائماً ما طالب أهالي السويداء منذ بداية الأزمة السورية، بإقتصار التجنيد الإلزامي لأبناء المحافظة على حماية المحافظة فقط، دون الإشتباك مع باقي مناطق الصراع الأخرى، فالدروز كثيراً ما كانوا يخشون أن يتم الزج بهم فى المعارك، ومن التجنيد الإلزامي بشكل عام، حيث أنهم يعتبرون أقلية، وفي نفس الوقت تتربص بهم الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة.
وفي الآونة الأخيرة، زادت حاجة الحكومة لتجنيد المزيد من أبناء المحافظة للمشاركة فى القتال، بل وضغطت الحكومة لتشكيل قوة من المتخلفين عن الخدمة الإلزامية من أبناء المحافظة، خاصة وأن التواجد الأمني الحكومي كان ضئيلاً في المحافظة في السنوات الأخيرة، وانشغلت القوات الحكومية بالمعارك على جبهات القتال، وصرفت النظر عن الأمن الداخلي لبعض المحافظات تحت نطاق سيطرتها ومنها السويداء، مما أدى لزيادة نسبة الجرائم والسرقة بها.
ثالثاً: النزعة الإنفصالية
لا نستطيع أن ننكر أن الأزمة السورية الأخيرة، قد خلقت مشكلة مفصلية لدى الكثير من الطوائف السورية بلا إستثناء، وهى أزمة الهوية سواء أكانت قومية أو دينية، ومن الممكن أن نقول أنها ساهمت بتغذيتها، حيث أنها كانت دائماً ما تتواجد، لكن لم تظهر بهذا الشكل الكبير إلا منذ عام2011، فقد خلق الصراع فى سوريا بيئة حاضنة للكراهية والتطرف بين أغلب شرائح المجتمع السوري، وأصبح التمييز المناطقي والطائفي أسمى من الإعتبارات الوطنية السورية.
ولعل المثال الكردي هو أبرز هذه الأمثلة، وسعيه الدائم لأن يبقى الوضع كما هو عليه، أو أن تنتهي الأمور لإقامة فيدرالية كردية، وهذا الأمر تتكرر ولو بصورة أبسط لدى دروز السويداء، فالدروز الذين كانوا دائماً دعاة للتوحد الوطني، وظهرت منهم زعامات وشخصيات كانت بارزة في التاريخ السوري، إلا أن التظاهرات كشفت وجهاً آخر للوضع الحالي في السويداء، والدليل أن المتظاهرين لم يرفعوا فى تظاهراتهم العلم العربي السوري، وإنما اقتصروا على علم الطائفة الدرزية فقط، وهي ظاهرة بالغة الخطورة إن تطور بها الأمر، في ظل الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، خصوصاً أن سوريا لا يمكن أن تتحمل إنقسام جديد.
الواضح أيضا خلال التظاهرات، هو مطالب بعض المشاركين فيها باللامركزية(3)، وهو ما يعني أن تخضع السويداء للإدارة الذاتية وللفيدرالية، واعتبروا أن ذلك هو السبيل الوحيد لخروج المحافظة من أزمتها، بل وحصول أبناءها على توزيع عادل للثروة، وذلك ما يبرهن على أن هدف المظاهرات الأبرز كان الحصول على الحكم الذاتي فى السويداء.
جغرافية السويداء..موضع تساؤلات
لايمكن أن يغفل أحد عن موقع السويداء فى جنوب سوريا وبالقرب من الحدود مع إسرائيل، وهذه النقطة فى حد ذاتها ليست إتهاماً للدروز بالتواطؤ أو بتآمر بعض أبناء الطائفة لصالح إسرائيل بشكل مباشر، وخصوصاً فى ظل الوضع المتوتر بين الحكومة السورية وإسرائيل، والتى برهنت عليها الضربات الإسرائيلية المتكررة في العمق السوري مؤخراً.
وإنما تعود بنا جغرافية السويداء، إلى أحد النقاط الهامة فى الإستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع الأوضاع فى سوريا بعد2011، وهي التي تتمثل في إنشاء منطقة عازلة فى الجنوب السوري ما بين الجولان السوري المحتل والسويداء، بل إن التبريرات الإسرائيلية لهذا الهدف تمثلت فى رغبتها لحماية الدروز من داعش في السابق، وهو ما أكدته صحيفة “Times of Israel” الإسرائيلية فى عام 2015.(4)
لكن الهدف الإسرائيلي أبعد من ذلك، فهذه النوايا كانت متواجدة منذ فترات بعيدة، وليس لحماية الدروز كما أشيع، وإنما الهدف هو تقزيم سوريا وتحجيم الخطر المزعوم منها، ولعل سياسة إسرائيل في التعامل مع هذا الملف، أقرب لما حدث فى سيناء والتوصل لإتفاق سلام مع مصر يقضي بأن تكون سيناء خالية تقريباً من السلاح مقابل تسليمها لمصر، وبذلك تكون سيناء منطقة عازلة فى واقع الأمر، أما بالنسبة لما يمكن أن يحدث في الجنوب السوري وما تنوي إسرائيل لفعله فهو منطقة عازلة بالإجبار وبالقوة وبدون إتفاقيات مسبقة، إعتماداً على المستجدات على الأرض وعلى رغبة مواطني هذه المناطق وعلى رأسهم دروز السويداء.
ختاماً، تظل أهم الإستنتاجات الحقيقية للدافع وراء هذا الحراك فى السويداء، بالطبع الوضع المآساوي الذي يعاني منه السوريون كافة، من نقص للخدمات وصعوبة توفر أدنى الإحتياجات اللازمة للمواطنين، لكن رغم ذلك استطاعت الحكومة السورية فى النهاية أن تتحرك لوقف الحراك في السويداء قبل أن يتطور لما هو أبعد، وذلك بمسكنات معتادة من وعود بإصلاحات إقتصادية وخدمات إجتماعية، بالإضافة لمحاولات التفاهم مع القيادة الدينية الروحية للدروز وعلى رأسهم حكمت الهجري، حيث أن السلطة فى دمشق تدرك ما لحكمت الهجري والزعامة الدينية للطائفة من مكانة روحية لدى أهل السويداء، والدليل على ذلك أن التظاهرات نفسها كانت أمام مقر عين الزمان حيث الهيئة الدينية للدروز بالمحافظة، ولكن هذا لا يعني أن الحراك غير قابل للتكرار مرة أخرى وبصورة أكبر قد لا تستطيع الحكومة أن تسيطر عليه في المستقبل، فالمعطيات على الأرض تشير لتوجهات إنفصالية متزايدة لدى أهل السويداء، حتى وإن كانت حالة هذه التوجهات فى الوضعية الآمنة هذه الفترة، لكن تبقى بلاشك قابلة للإنفجار في أي لحظة، كما أن إسرائيل بكل تأكيد تتابع في ترقب السيناريوهات المحتملة في الجنوب السوري، ومؤكد أنها لن تألوا جهداً في دعم أي تحرك شعبي يدعو للتقسيم في السويداء، فإنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري لازال حلماً لها بالطبع.. وهو ما يؤكد الفرضية بأن السويداء حقاً هي معادلة سوريا الصعبة.
خاص وكالة رياليست. إسلام عبد المجيد عيد باحث سياسي
المراجع:
1 https://www.bbc.com/arabic/inthepress-52979910
2 https://www.north-pulse.net/?p=31586
3 https://www.adarpress.com/?p=12323
4 https://www.timesofisrael.com/israel-weighs-safe-zone-for-syrias-embattled-druze/