عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء “تهديدات أمنية حقيقية” تواجهها السعودية من جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران وأماكن أخرى في المنطقة بعد هجمات على قلب صناعة النفط بالمملكة، وقالت إنها ستبحث عن سبل لتحسين دعم دفاعات السعودية، وقالت السفارة الأمريكية بالرياض إن واشنطن ملتزمة بالدفاع عن المملكة، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض “ما زلنا قلقين إزاء تكرار هجمات الحوثيين على السعودية. تصعيد هجمات كتلك ليس تحركاً من جماعة جادة حيال السلام”، وأضافت، “نتفهم أنهم (السعوديون) يواجهون تهديدات أمنية حقيقية من اليمن وآخرين في المنطقة… سنبحث عن سُبل لتحسين دعم قدرة السعودية على الدفاع عن أراضيها في مواجهة التهديدات.
أهداف دقيقة
بعد أن شطبت الإدارة الأمريكية الجديدة اسم الحوثيين من لائحة الإرهاب الدولي الذي أدرجتهم عليها الإدارة السابقة، اعتقد البعض أن هذا الأمر سيفتح صفحة جديدة تتعلق بالحوار وحل الأزمة اليمنية بالطرق السلمية واتباع الحوار، إلا ما حدث هو العكس تماماً، فلقد كثف الحوثيون من هجماتهم على أهداف في العمق السعودي، أغلبها في مواقع حيوية كمطار أبها ومواقع متفرقة من عسير والخُبر والظهران والدمام، التي تضم منشآت نفطية ومبانٍ سكنية تعود لشركة أرامكو المملوكة للدولة السعودية، في وقت تحوّل الوضع من دفاع إلى هجوم، وأصبحت الحرب وسط صمت التحالف والولايات المتحدة أشبه بإهمال لهذا الملف خاصة من جانب واشنطن التي اكتفت بالاستنكار، ولا تزال تترك الطريق مفتوحاً للحوار مع الحوثيين.
وبما أن هذه الحرب تبدو أنها لن تنتهي بالسهولة المرجوة، وأن المفاوضات الأخيرة التي كانت في طهران لم تسفر عن شيء، خاصة بعد اتهام سعودي لإيران بأنها من تمد الجماعة بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، يبدو أن الأمور عادت إلى نقطة البداية، مع الإشارة إلى أن إيران لم تنكر أنها مدت الحوثيين ببيانات الصناعة الدقيقة لتلك المعدات والطائرات والصواريخ وأصبح الصناعة يمنية، لكن اللافت اليوم هو دقة الأهداف، فعلى الرغم من أن الخسائر في الفترة الأخيرة اقتصرت على الماديات لكن أصبحت الصواريخ والمسيرات المفخخة قادرة على الوصول إلى العمق السعودي وضرب الهدف الذي تريد، ومن المعروف أن المنشآت النفطية يعمل بها الكثير من الأجانب والأمريكيين وحتى العرب من جنسيات مختلفة، فسبق وأن حذرت واشنطن رعاياها من هذه الهجمات، إلا أن الوضع مستمر ولن يهدأ إلا بقرار وقف الاقتتال من قبل الطرفين المتقاتلين.
الصمت الأمريكي
تبدو الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن رد الحوثيين ووقفهم رغم بادرة حسن النية التي قدمتها لهم من خلال شطب اسمهم عن لائحة الإرهاب كما أشرنا أعلاه، لكن هذا الأمر وبمطلق الأحوال يعيدنا إلى الملف النووي حتماً، إذ يقتصر الدور الأمريكي على الاستنكار وإصدار بيانات إدانة لا تحقق من أمرها شيء، وذلك أيضاً لتقديم بادرة حسن نية إلى طهران وجرها إلى الحوار الذي تريده واشنطن.
الأمر الآخر، لقد تسلمت طهران 3 مليارات من أصول نقدها المجمدة ومليار منها تسلمته من العراق، وهذا ما كان ليحدث لولا الضوء الأخضر الأمريكي، وبالتالي، الأمور في هذه النقطة علامة إيجابية بالنسبة للحوثيين فهم يقتنصون التطورات الأخيرة لحسم الحرب لصالحهم، فضلاً عن التوترات الأخيرة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وفتح ملف حقوق الإنسان، على الرغم من التصريحات الأمريكية التي جاء فيها أنهم سيدافعون عن السعودية، فما كان منهم إلا أن حذروا رعاياهم، وتركوها وحيدة في هذا الجزء من التطورات الأخيرة.
أخيراً، تتبع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم سياسة مسك العصا من المنتصف من خلال تحقيق توازن في سياساتها الخارجية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فهي تريد حسم الملف النووي بما يرضي إسرائيل ويحقق أهدافها، وبنفس الوقت لن تقوم بأية تصرفات غير مدروسة قبل أن تعمل على التسويات التي سبق وأن تم ترتيبها مسبقاً، والأزمة اليمنية متعلقة بما ستؤول إليه نتائج الملف النووي، فإن فشل الأمر، سيكون التصعيد أمراً واقعاً لا مفر منه، لذا الحوثيين اليوم في سباق مع الزمن، فكل الفرضيات ممكنة وإلى الآن لا تزال إيران رافضة لمسألة العدول عن شروط العام 2015، وبمقابل ذلك سيأتي الوقت الذي سينفذ فيه الصبر الأمريكي منها، وتعود سياسة الضغط الأقصى عليها من جديد.
فريق عمل “رياليست”.