دمشق – (رياليست عربي): قد لا نعرف خصائص الشعوب كافة، لكننا نعرف بعض خصالنا الجماعية والحديث عن علم نفس الجماعات يعني السمات العامة وليست الحالات الخاصة التي تمكنت لظرف ثقافي أو اجتماعي خاص من تطوير نفسها.
لذلك نجد أنه من الشائع جداً أن يجلس جمع من الضيوف وبينهم طبيب ثم يشكو أحدهم مرضه وتلك ليست المفارقة، لكن المفارقة أن يجيبه جميع الحاضرين بالشرح للأعراض ووصف الأدوية الكيميائية والطبيعية قبل أن يتمكن الطبيب من الكلام، ويمكن القياس على ذلك في باقي الموضوعات والاختصاصات.
الأكثر تعقيداً هو الاعتراف بالحالة التي لا مقياس واضح لها بمعنى الكلام في السياسة والثقافة وعلم الاجتماع حيث القصة تتعلق بأبعاد ثلاث وهي الجغرافية والتاريخ والمنطق وحيث أن المنطق غائب حكماً في حالات العقل الجمعي لاعتماده على موروث بدائي لا يتم التحكم به وتطويره إلا في إطار منهجية ترتبط بملكات الشخص نفسه وانتقائيته الخاصة لآليات بناء الفكر وتحفيزه فالعام هو الحالة الدهمائية، وهذه الدهمائية معترف بها ضمناً ويعبر عنها صراحةً في التندر والحكايات من ضمن الموروث الجمعي ذاته.
على سبيل المثال، بعض الأمثال الشعبية التي تمنح العامة مبررات سلوكية في الشأن العام:
المثل الأول: (اللي بيتزوج أمي بقول له: ياعمي)
وهذه الحالة هي حالة تخلي عن المسؤولية تفوق مخيلة ميلان كونديرا عن الكائن الذي لاتحتمل خفته، لكنها سمة جماعة وليس فرد مثل بطل قصة كونديرا.
وهنا نجد أولئك المتبنيين لتلك المقولة ينتظرون استتباب الأمر لولي الأمر ثم يتحول حديثهم في السياسة إلى حالة من التملق لتبرير قناعتهم الأساسية بعد أن تزوج أمهم من صار عمهم .
المثل الثاني: (اليد التي لا تستطيع قطعها قبّلها وادعُ عليها بالكسر)
وهذه حالة جمعية لا أخلاقية بل ومخربة وهدّامة لأنها تظاهر عبر أعلى درجات التملق مصحوبة بالدونية ونية الغدر المبيتة، وأولئك سيحصنون أنفسهم بالتنازل عن كرامتهم مقابل دس السم في العسل ومن ثم السم في السم في لحظة مواتية فتراهم لا يفعلون ولايقولون إلا ما ستكون نتيجته تحقيق أحقادهم كأفراد أو جماعات .
المثل الثالث: (إن شفت الأعمى دبو مانك أكرم من ربه)
وهذا معناه لاترحم ولا تتعاطف تحت مبررات ليست فقط تمنح الراحة النفسية لفاعلها بل وتخدر الضمير وتحت ستار قدسي باستدعاء القدرية وبأن خيار حرمان شخص من نعمة ما كان إلهياً فالمزاودة عليه بحرمانه أكثر هي مجرد قناعة بخيارات إلهية، وهذا يعلو فوق ما سبقه لجهة التضليل والتلفيق اللاأخلاقي .
المثل الرابع: (حط راسك بين الرؤوس ونادي ياقطاع الرؤوس)
بمعنى إقبل كل ما تفعله الجماعة دون أدنى اعتراض .
المثل الخامس: (طعمي التسعة لتاكل العشرة)
وهذه عملية فساد وإفساد مصادق عليها بسطر من الموروث المكتسب لعقل الجماعة والذي سيتحول ليس فقط لحالة تبريرية ولكن ثقافة ومنهج عمل يختار فلسفة حياة ونتائج اتباعها هو عملية تخريب ممنهج لأخلاقيات المجتمع لأنها ببساطة هي التي تعبر عن أخلاقيات المجتمع ثقافةً وممارسةً.
المثل السادس: (إذا جاءك الطوفان حط ابنك تحت قدميك) أو بصياغة أخرى (أنا ومن بعدي الطوفان)
ومعناه لا يحتاج الشرح رغم أن محاولة إسباغ ثقافة التضحية ترافقت كثيراً مع سيرة سيدنا محمد (ص) لكن ما انفكت تسود طباع الغنيمة وفق امتداد القبائل في العراق والشام والجزيرة العربية والقبلية هنا تغطي عقلية المدن عبر التاريخ في تلك المواقع حتى لا ينسحب خيال قارئ النص على أننا نتحدث عن عقلية الجماعات في الصحراء، فالواقع إن هذه عقلية حواضر بجماعاتها حتى اليوم .
المثل السابع: (مكان ما ترزق .. إلصق)
وهكذا يكون عنوان الوطن قد اتخذ شكلاً لاعلاقة له بالجغرافيا ولا التاريخ وإنما المنفعة والنفعية وتلك آثارها ليست مهمة بقدر ما تصبح خطيرة عندما تكون إحدى محركات عقل الجماعة وسلوكها .
وهكذا نختتم هذه القطعة بالارتزاق والمرتزقة ونكمل لاحقاً لأن هذا جزء من بحث أكتبه حالياً وسيتم نشره في الجزء الأول من علم نفس الجماعات الذي سأصدره في كتاب .
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة سورية – عضو اللجنة المصغرة عن المجتمع المدني.
