واشنطن – (رياليست عربي): تشهد السنوات الأخيرة سباقاً فضائياً محموماً بين القوى العظمى، حيث تتصدر الولايات المتحدة جهوداً طموحة لإنشاء ما يسمى بـ”القبة الذهبية” (Golden Dome)، وهو مشروع دفاعي فضائي يهدف إلى حماية الأقمار الصناعية الأمريكية من الهجمات المحتملة، فإن الإدارة الأمريكية تضع خططاً طموحة لإنجاز هذا المشروع خلال ثلاث سنوات فقط، لكن هل هذا الهدف واقعي أم مجرد حلم بعيد المنال؟
تبلغ الميزانية الأولية المعلنة للمشروع حوالي 120 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم، المشروع يتضمن نشر شبكة من الأقمار الصناعية المسلحة والمحمية، قادرة على صد الهجمات الصاروخية والليزرية، بالإضافة إلى توفير اتصالات آمنة للقوات الأمريكية في أي مكان حول العالم، وتشير الوثائق المسربة إلى أن البنتاغون يعمل على تطوير تقنيات متقدمة تشمل أنظمة ليزر قوية ودرعاً من الأقمار النانوية التي يمكنها اعتراض الصواريخ الباليستية في الفضاء الخارجي.
لكن الخبراء العسكريين يشككون في إمكانية تنفيذ هذا الجدول الزمني الطموح، فوفقاً لتحليل معهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، فإن المشاريع الفضائية الكبرى عادة ما تتأخر عن مواعيدها المحددة بنسبة 40% في المتوسط، كما أن تكاليفها غالباً ما تتجاوز الميزانيات المخطط لها بمراحل، ويذكر التقرير أن مشروع “القبة الذهبية” يواجه تحديات تقنية هائلة، خاصة في مجال تطوير أنظمة الليزر القوية بما يكفي لاعتراض الصواريخ في الفضاء، والتي تتطلب كميات هائلة من الطاقة لا تتوفر حالياً في الأقمار الصناعية.
من ناحية أخرى، يثير المشروع تساؤلات حول التوازن الاستراتيجي العالمي. فقد حذرت روسيا والصين من أن نشر مثل هذه الأنظمة الدفاعية في الفضاء قد يؤدي إلى سباق تسلح فضائي جديد، ويقوض معاهدة الفضاء الخارجي التي تحظر نشر الأسلحة في الفضاء. وفي تصريح لوزير الخارجية الروسي، وصف المشروع الأمريكي بأنه “تهديد للسلام العالمي” قد يجبر الدول الأخرى على تطوير أنظمة مضادة.
التحدي الأكبر الذي يواجه المشروع ربما يكون سياسياً ومالياً أكثر منه تقنياً. فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024، قد تواجه الميزانية الضخمة للمشروع معارضة في الكونجرس، خاصة من المشرعين الذين يفضلون توجيه هذه الأموال لبرامج اجتماعية أو بنية تحتية محلية. كما أن أي تغيير في الإدارة الأمريكية قد يؤدي إلى مراجعة أولويات الإنفاق الدفاعي.
على الجانب التقني، تعمل شركات مثل “لوكهيد مارتن” و”بوينغ” و”سبيس إكس” على تطوير مكونات المشروع، حيث أعلنت “سبيس إكس” عن خطط لإطلاق سرب من الأقمار الصناعية التجريبية العام المقبل، لكن الخبراء يحذرون من أن تطوير أنظمة أسلحة فضائية موثوقة يتطلب سنوات من الاختبارات، وأن محاولة تسريع الجدول الزمني قد تؤدي إلى أنظمة غير ناضجة تقنياً.
وبينما تمثل “القبة الذهبية” رؤية طموحة للهيمنة الفضائية الأمريكية، فإن تحقيقها خلال ثلاث سنوات يبدو هدفاً غير واقعي في ضوء التحديات التقنية والسياسية والمالية، الأكثر ترجيحاً هو أن نرى إطلاق بعض المكونات الأولية للمشروع خلال هذه الفترة، بينما يستغرق اكتمال النظام بأكمله عقداً من الزمن أو أكثر، بغض النظر عن الجدول الزمني، فإن المشروع يؤكد أن الفضاء أصبح الساحة الجديدة للتنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار العالمي.