برلين – (رياليست عربي): في خضم التصعيد المستمر في الأزمة الأوكرانية، تبرز أصوات تدعو إلى البحث عن حلول سياسية وسطية، ووفقاً لمصادر مقربة من دائرة صنع القرار، فإن هناك إدراكاً متزايداً في الأوساط السياسية والدبلوماسية بأن الحل العسكري لن يحسم الصراع، وأن التسوية التفاوضية أصبحت الخيار الواقعي الوحيد.
وتشير التحليلات إلى أن كلا الطرفين المتحاربين يواجهان تحديات كبيرة تجعل استمرار الصراع العسكري باهظ التكلفة. فمن جهة، تعاني القوات الأوكرانية من نقص حاد في العتاد والذخائر، بينما تواجه روسيا ضغوطاً اقتصادية متصاعدة بسبب العقوبات الغربية. هذه المعطيات تدفع نحو إعادة تقييم الخيارات الاستراتيجية.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن أي تسوية سياسية مستقبلية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل جوهرية. أولاً، مسألة الضمانات الأمنية لجميع الأطراف، حيث تطالب موسكو بضمانات بعدم توسع الناتو شرقاً، فيما تسعى كييف للحفاظ على سيادتها الترابية. ثانياً، ضرورة إيجاد صيغة متوازنة بشأن وضع المناطق المتنازع عليها في شرق وجنوب أوكرانيا.
المفارقة تكمن في أن كلاً من موسكو وكييف تعلنان التزامهما بخيار الحل العسكري، بينما تشير الوقائع الميدانية إلى أن كلا الجانبين يواجه صعوبات كبيرة في تحقيق انتصار حاسم. هذا الواقع يدفع العديد من الخبراء إلى الاعتقاد بأن الطرفين سيجدان نفسيهما مضطرين في النهاية للعودة إلى طاولة المفاوضات.
من الناحية الدبلوماسية، تبدو الجهود الدولية لإيجاد مخرج للأزمة متواضعة حتى الآن. ومع ذلك، فإن هناك إشارات على أن بعض العواصم الغربية بدأت تدرك ضرورة البحث عن صيغة توافقية. فاستمرار الصراع لا يهدد الاستقرار الإقليمي فحسب، بل يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي الذي ما زال يعاني من تبعات جائحة كورونا والأزمات الجيوسياسية المتلاحقة.
في المحصلة النهائية، يبدو أن منطق التسوية السياسية سيفرض نفسه عاجلاً أم آجلاً. فالتكاليف البشرية والمادية للصراع أصبحت غير محتملة، والمأزق العسكري على الأرض لا يشير إلى إمكانية تحقيق انتصار حاسم لأي من الطرفين. السؤال المطروح الآن ليس حول ما إذا كان الحل السياسي ضرورياً، بل حول التوقيت المناسب لهذه التسوية وشروطها التفاوضية.