واشنطن – (رياليست عربي): كشفت وكالة “رويترز” في تقرير حديث أن الخسائر المتراكمة للشركات الأمريكية من الحروب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة حكمه قد تجاوزت 34 مليار دولار، هذه الأرقام الصادمة تكشف التداعيات طويلة المدى للسياسات الحمائية التي اتبعتها إدارة ترامب بين عامي 2017-2021، والتي ما زال الاقتصاد العالمي يعاني من آثارها حتى اليوم.
بحسب التحليل المفصل الذي أجرته رويترز، فإن القطاعات الأكثر تضرراً كانت صناعة السيارات والصلب والزراعة، حيث فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسب تصل إلى 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، بالإضافة إلى حزمة عقوبات تجارية شاملة ضد الصين بلغت قيمتها 250 مليار دولار. وقد ردت الدول المستهدفة بفرض رسوم مماثلة على المنتجات الأمريكية، مما أدى إلى خسائر فادحة للشركات المصدرة.
القطاع الزراعي الأمريكي كان الأكثر معاناة، حيث خسر المزارعون الأمريكيون ما يقدر بنحو 16 مليار دولار من الصادرات الزراعية سنوياً بسبب الرسوم الانتقامية الصينية على فول الصويا والذرة واللحوم. وقد اضطرت الحكومة الأمريكية إلى تقديم حزم إنقاذ للمزارعين بلغت قيمتها الإجمالية 28 مليار دولار بين 2018 و2020، وهو ما شكل عبئاً إضافياً على الميزانية الفيدرالية.
على الجانب الآخر، تشير البيانات إلى أن الشركات الأمريكية تكبدت خسائر إضافية تقدر بنحو 7.5 مليار دولار بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام المستوردة، حيث اضطرت المصانع الأمريكية إلى دفع أسعار أعلى بنسبة 15-20% للمواد الأساسية مثل الصلب والألمنيوم. وقد أدى هذا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض القدرة التنافسية للصناعات الأمريكية في الأسواق العالمية.
المحللون الاقتصاديون يؤكدون أن آثار هذه الحروب التجارية امتدت إلى الاقتصاد العالمي ككل، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النزاعات التجارية كلفت الاقتصاد العالمي ما يقرب من 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2019 وحده، كما أدت إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية وإعادة هيكلة التجارة الدولية، مع اتجاه العديد من الدول إلى إيجاد شركاء تجاريين جدد لتجنب تأثير السياسات الأمريكية.
في السياق الحالي، ومع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، يخشى خبراء الاقتصاد من تكرار السيناريو، تقارير حديثة تشير إلى أن ترامب يخطط لفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وهو ما قد يشعل حرباً تجارية جديدة تكون عواقبها أكثر خطورة على الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف بعد من آثار الجائحة والأزمات الجيوسياسية الحالية.
من ناحية أخرى، تشير دراسات حديثة إلى أن بعض القطاعات الأمريكية استفادت فعلياً من هذه السياسات، حيث نمت صناعة الصلب المحلية بنسبة 5% وزادت الاستثمارات في هذا القطاع بمقدار 1.5 مليار دولار، لكن الخبراء يؤكدون أن هذه المكاسب لا تقارن بالخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد ككل، خاصة في قطاعات التصدير والخدمات اللوجستية.
ختاماً، فإن تقرير رويترز يسلط الضوء على أحد أكثر الفصول الاقتصادية إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث، حيث تظهر الأرقام أن تكلفة الحروب التجارية كانت باهظة للغاية، يصبح السؤال الأهم: هل ستتعلم الدروس من هذه التجربة المريرة، أم أن الاقتصاد العالمي على وشك الدخول في جولة جديدة من النزاعات التجارية المدمرة؟