بروكسل – (رياليست عربي). في إشارة غير مسبوقة، أعلنت الولايات المتحدة أنها قد تتخلى مستقبلاً عن احتكارها التاريخي لأعلى منصب عسكري في حلف شمال الأطلسي، وهو منصب القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا (SACEUR)، الذي يشغله حصراً جنرال أو أدميرال أمريكي منذ تأسيس الناتو عام 1949.
سفير الولايات المتحدة لدى الناتو ماثيو ويتاكر قال إن واشنطن «تتطلع إلى اليوم الذي تأتي فيه ألمانيا وتقول إنها جاهزة لتولي المنصب»، مؤكداً أن الخطوة لن تحدث قريباً، لكنها يجب أن تكون جزءاً من نقاش طويل المدى بشأن مستقبل القيادة داخل الحلف.
وأضاف ويتاكر أن واشنطن تريد أن تصل القدرات الدفاعية الأوروبية إلى مستوى «مساوٍ» للولايات المتحدة، معتبراً ذلك «هدفاً طموحاً لكنه ضروري».
تغيّر استراتيجي عميق داخل الحلف
مصادر دبلوماسية في الناتو ومسؤولون أمريكيون أكدوا لشبكة «يورونيوز» أن تصريحات ويتاكر تتماشى مع توجه إدارة دونالد ترامب لدفع أوروبا إلى تحمّل مسؤوليات أمنها بشكل أكبر. وقال مسؤول كبير في الحلف إن الرسالة تعكس قناعة أمريكية بأن «الأمن الأوروبي يجب أن يكون أكثر فأكثر بيد الأوروبيين».
مع ذلك، عبّر مسؤولون دفاعيون عن تشككهم، مشيرين إلى أن منصب SACEUR يمنح واشنطن نفوذاً استراتيجياً هائلاً، بما في ذلك القيادة المباشرة على نحو 78 ألف جندي أمريكي متمركزين في أوروبا — وهو امتياز يصعب التخلي عنه.
ويأتي النقاش في لحظة حساسة، بعد تسريب مسودة خطة أمريكية–روسية لوقف النزاع على أراضي الدولة الأوكرانية السابقة، ما أثار مخاوف من احتمال تراجع أمريكي عن دورها القيادي داخل الناتو.
خبيرة الأمن الألمانية كلوديا مايور وصفت ما يجري بأنه «إزالة للأمركة داخل الناتو»، بينما حذّر آخرون من أن الاستعجال في نقل القيادة قد يزعزع التوازن الاستراتيجي وسط صراع أوروبي مفتوح.
ماذا يعني SACEUR أوروبي؟
استبدال قائد أمريكي بآخر أوروبي سيشكّل قطيعة مع تقليد سياسي مستمر منذ عام 1951، وله تداعيات بنيوية واسعة:
- القائد الأعلى «مزدوج القبعة»، يقود قوات الناتو وقيادة القوات الأمريكية في أوروبا (EUCOM) في آن واحد؛ وهو وضع لا يمكن أن يستمر مع قائد أوروبي.
- أي تغيير سيحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لمنظومة القيادة داخل الحلف.
- وحدها ألمانيا والمملكة المتحدة تملكان القدرات العسكرية والمالية اللازمة لتولي المنصب.
مع ذلك، أكدت مصادر في الناتو أن الفكرة ليست قيد النقاش الرسمي داخل المقر الرئيسي.
أوروبا تعيد التسلّح بسرعة
تشهد ألمانيا توسعاً عسكرياً كبيراً يشمل إعادة التجنيد الإجباري، واستثناء الإنفاق الدفاعي فوق 1% من الناتج المحلي من قيود الديون. ويرى محللون أن برلين «تنزلق إلى دور عسكري–سياسي جديد»، رغم أن الطبقة السياسية لم تستوعب حجمه بعد.
لكن حتى مع زيادة المسؤوليات الأوروبية، يعتقد الخبراء أن بنية الناتو متشابكة بعمق مع واشنطن، وأن تغيير SACEUR وحده لن «يؤورب» الحلف ما لم تقم الولايات المتحدة أيضاً بتقليص حضورها العسكري والمؤسسي في أوروبا.
انسحاب أمريكي كامل غير مرجّح… لكن الضغط يتصاعد
مسؤولون في وزارة الدفاع الليتوانية قالوا إن انسحاباً أمريكياً كاملاً من الناتو غير وارد، لأن واشنطن تحتاج الحلف كأداة نفوذ عالمي. لكنهم أشاروا إلى أن الضغط على أوروبا لتوسيع دورها الدفاعي آخذ في الازدياد — وتصريحات ويتاكر قد تكون إشارة مبكرة لإعادة توازن طويل الأمد داخل الحلف.






