واشنطن – (رياليست عربي): تتصاعد التحذيرات في واشنطن من احتمال تحول الصراع الأوكراني إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، في تطور قد يشكل أخطر أزمة بين القوتين النوويتين منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
تصريحات مسؤولي البنتاغون الأخيرة كشفت عن مخاوف حقيقية من أن التصعيد المستمر في أوكرانيا قد يتجاوز نقطة اللاعودة، مما يدفع الطرفين إلى صدام مباشر لم تشهده العلاقات الدولية منذ عقود.
الوضع العسكري الحالي في أوكرانيا يشكل بيئة مثالية لتصعيد غير محسوب، فمن جهة، تواصل القوات الروسية تقدمها البطيء لكن الثابت في عدة قطاعات أمامية، مستفيدة من تفوقها في عدد القوات والعتاد، ومن جهة أخرى، يزداد ضغط الحلفاء الغربيين على كييف لشن هجمات مضادة باستخدام أسلحة أكثر تقدماً، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى التي تصل إلى عمق الأراضي الروسية، هذه الديناميكية الخطيرة تخلق سيناريوهات يصعب فيها التحكم بتصاعد العنف، خاصة مع تزايد التقارير عن استهداف بنى تحتية استراتيجية على جانبي الصراع.
تحليلات استخباراتية غربية تشير إلى أن موسكو بدأت تعد العدة لمرحلة جديدة من الحرب، حيث رصدت أقمار التجسس الأمريكية تحركات غير اعتيادية لوحدات الصواريخ الاستراتيجية الروسية، بالإضافة إلى نشر أنظمة دفاع جوي متطورة قرب الحدود الأوكرانية، في المقابل، يعزز الناتو وجوده في دول البلطيق وشرق أوروبا، مع نشر بطاريات صواريخ مضادة للطائرات وقاذفات استراتيجية قادرة على حمل أسلحة نووية تكتيكية.
المعضلة الاستراتيجية التي تواجه صناع القرار في واشنطن وموسكو تكمن في أن كلا الجانبين يرفع سقف تصريحاته بينما يحاول تجنب المواجهة المباشرة، روسيا تحذر من أن أي تدخل غربي مباشر سيعتبر “اشتباكاً مع القوات النووية الاستراتيجية”، بينما يؤكد البيت الأبيض أن الدفاع عن “القيم الديمقراطية” في أوروبا لا يقبل المساومة، هذه الخطاب المتصاعد يخلق بيئة من سوء الفهم المتبادل، حيث قد تفسر أي حركة عسكرية بشكل خاطئ على أنها استفزاز متعمد.
خبراء الشؤون العسكرية يرسمون سيناريوهات مرعبة لما قد يحدث إذا تجاوز الطرفان الخط الأحمر:
أولاً، اشتباكات جوية بين الطائرات الروسية والأمريكية في أجواء البحر الأسود؛
ثانياً، تبادل ضربات صاروخية على قواعد عسكرية يستخدمها الطرف الآخر؛
ثالثاً، تصعيد نووي محدود قد يخرج عن السيطرة بسرعة.
التاريخ العسكري يعلمنا أن معظم الحروب الكبرى تبدأ بسبب سوء تقدير أو حوادث غير متعمدة. اليوم، مع وجود عشرات الآلاف من القوات الروسية والأمريكية على بعد أميال قليلة من بعضها في شرق أوروبا، ومع انتشار الأسلحة المتطورة التي تقلل من وقت اتخاذ القرار، أصبحت المنطقة برميل بارود ينتظر شرارة صغيرة ليفجرها.
بالتالي، إن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار هذا الصراع، فإما أن تنجح الدبلوماسية السرية في تخفيف حدة التوتر، أو أن نكون على أعتاب حقبة جديدة من المواجهة المباشرة بين القوتين العظميين، مع ما يحمله ذلك من مخاطر لا يمكن تصورها على الأمن العالمي.
وفي زمن تتقارب فيه شروط الحرب أكثر من أي وقت مضى، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يدرك القادة في واشنطن وموسكو حقاً حجم الكارثة التي قد يتسببون بها، أم أنهم أصبحوا أسرى منطق المواجهة الذي لا يرحم؟