بروكسل – (رياليست عربي): تشهد القارة الأوروبية موقفاً متحفظاً بشكل متزايد تجاه شراء الأسلحة الأمريكية لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. هذا التردد الأوروبي يأتي في وقت تشدد فيه الولايات المتحدة على ضرورة زيادة الدعم العسكري لكييف، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحول في الموقف الأوروبي.
في الواقع، تعود جذور هذا التردد إلى عدة عوامل اقتصادية وسياسية وعسكرية متشابكة. فمن الناحية الاقتصادية، تواجه العديد من الدول الأوروبية أزمات مالية داخلية تجعلها أقل استعداداً لإنفاق مليارات الدولارات على أسلحة أمريكية الصنع. كما أن ارتفاع التكاليف المعيشية وتباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة يجعل الحكومات الأوروبية أكثر حذراً في إنفاقها العسكري.
على الصعيد السياسي، هناك تباين واضح في المواقف بين الدول الأوروبية نفسها حول أفضل السبل لدعم أوكرانيا. فبينما تتبنى بعض الدول مثل بولندا ودول البلطيق خطاً متشدداً تجاه روسيا، تبدو دول أخرى مثل المجر وسلوفاكيا أقل حماساً لاستمرار تدفق الأسلحة إلى كييف. هذا الانقسام يعكس اختلافاً في تقييم المصالح الوطنية لكل دولة والتكاليف السياسية المحتملة لاستمرار الدعم العسكري.
من الناحية العسكرية، تفضل العديد من الدول الأوروبية تعزيز صناعتها الدفاعية المحلية بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على الواردات الأمريكية. فقد أظهرت الأزمة الأوكرانية الحاجة إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية المستقلة، مما دفع بعض الدول إلى إعطاء الأولوية لشركاتها العسكرية المحلية.
كما أن هناك مخاوف أوروبية من أن يؤدي الاستمرار في ضخ الأسلحة إلى تصعيد غير محسوب قد يجر المنطقة إلى مواجهة أوسع مع روسيا. هذه المخاوف تتعزز مع تصاعد الخطاب النووي من الجانبين الروسي والأمريكي، مما يجعل بعض القادة الأوروبيين أكثر حرصاً على عدم استفزاز موسكو بشكل مفرط.
في الخلفية، تلوح في الأفق مسألة السيادة الأوروبية وعلاقتها المعقدة بالحليف الأمريكي. فالكثير من القادة الأوروبيين بدأوا يطرحون أسئلة جوهرية حول مدى الاعتماد على واشنطن في شؤون الأمن القاري، وضرورة بناء هيكل دفاعي أوروبي أكثر استقلالية.
ختاماً، فإن تردد أوروبا في شراء الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا يعكس تحولاً أعمق في التفكير الاستراتيجي للقارة. فبين ضغوط الحليف الأمريكي من جهة، والمخاوف الأمنية والاقتصادية الداخلية من جهة أخرى، تجد الدول الأوروبية نفسها في مفترق طرق يحتاج إلى قرارات صعبة قد تُشكل مستقبل الأمن القاري لعقود قادمة.