باريس – (رياليست عربي): هناك موضة وصيحة جديدة من أساليب التلميع الورنيشي، يتبعهما وينتهجهما كثير من رجال الأعمال والمال في هذا العصر والزمان، وذلك بنشر تصريحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بإجراء حوارات ولقاءات تليفزيونية (لا أعلم إن كانت مدفوعة الأجر أم لا؟) وبودكاست.
وكلهم فجأة يحكون أنهم رجال أعمال عصامين: بدأوا من الصفر، من يقول إنه سافر إلى أوروبا وعمل في غسل الأطباق والصحون والأكواب، ومن يقول أمتهن بيع الجرائد، ومن يقول إنه بدأ حياته بـ 5000 جنيه سلف من أبوه… وهكذا، والله أعلم ما صحة هذا الكلام، ولكن السؤال، لماذا تلك الأحاديث اليوم؟ أم أن ذلك تبرير لكثير من تصرفاتهم وسلوكهم المستفز لكثير من غالبية المواطنين المطحونين، وللذين معظمهم يعمل أكثر من عمل ليغطي قوت يومه، ويوفر له ولأسرته ولأهله متطلبات واحتياجات الحياة الأساسية.
كيف تطلب مني ومن غيري أن أصدق هذه الطبقة من رجال الأعمال والمال: وهم يقيمون أفراحًا وأعراسًا لبناتهم وأولادهم بملايين الجنيهات والدولارات، قُدِّر بعضها بـ 50 مليون دولار، وآخر استمر فرحهم عدة أيام، وآخر ارتدى بدلة مرصعة بالماس، وآخرون يذهبون إلى الخارج ويقيمون حفلات وليالي ملاح في جزر ومنتجعات باهظة التكاليف.
نحن لسنا ضد أن يفرح الناس ويسعدوا بأموالهم هم وأسرهم، ولكن ليس بهذا الشكل المستفز، والمبالغ فيه والذي يزيد الاحتقان، بل دعني أقول إن هذا السلوك والإعلان عنه يهدد الأمن والسلم الاجتماعي الوطني.
والأدهى من ذلك أنهم يشتكون من أن أنشطتهم في المال والأعمال تحقق خسائر، بل ويشتكون من ارتفاع معدل الفوائد البنكية التي يستفيد منها كثير من الناس يعيشون عليها في ظل معدلات تضخم مرتفعة وتزداد يومًا بعد يوم، وحجتهم في ذلك أن تخفيض فوائد البنوك على القروض سوف يزيد الاستثمار!!!
ورجال الأعمال والمال هؤلاء هم من طالبوا بتخفيض أسعار العملات الوطنية أمام العملات الأجنبية، بزعم أن ذلك سوف يزيد التصدير!!!
فهل يحق لرجال الأعمال والمال التحكم في إدارة اقتصاد البلاد والعباد؟
أم أن ترك دفة رسم السياسات المالية والاستجابة لمطالب الرأسمالية الجشعة تحفها مخاطر كثيرة؟
هل استقواء هؤلاء رجال الأعمال والمال بالمؤسسات المالية والتمويلية للضغط على الحكومات والمسؤولين ومتخذي القرار (مجموعات الضغط) وتوجيه السياسات المالية والاقتصادية لصالحهم، تحت شعارات ومطالب غير عادلة تخل بتوزيع عادل لمصادر الدخل، تزيد الغني غنى، وتزيد الفقير فقرًا؟
فنحن نرى وللأسف خبراء تلك المؤسسات المالية والتمويلية الدولية، يروجون ويطالبون بتخارج الدول والحكومات من إدارة الاقتصاد الوطني لصالح القطاع الخاص!
لذا، وكما جاء في مقالاتي وتحليلاتي السابقة، أن نهضة الأمم لا تقوم على جناح واحد فقط، فالقطاع العام والخاص هما جناحا ودفتا أي نظام اقتصادي سليم رشيد، وأن المساس بأسعار الفائدة وأسعار صرف العملات شيء خطير للغاية يجب إدارته بحذر وعناية فائقة، كما أن سياسة الخصخصة بالبيع فقط، ليست هي الحل الأمثل؟
كما أن الخصخصة هي عملية سياسية واقتصادية تدور وتتطلب عملية إدارية محترفة واعية قادرة على إدارة هذا الملف بكفاءة وفاعلية عالية: الإدارة قبل وأهم من السياسة والاقتصاد.
لذا، ضرورة الحذر الشديد من رجال مال وأعمال هذا الزمان (ليس بالطبع كلهم، منهم كثير من الوطنيين الشرفاء، وأيضًا ليس كلهم ملاك) فهم للأسف من أفسدوا القطاع العام بدفع الرشاوى وشراء ذمم المسؤولين والموظفين، كما جاء ذلك وصرح به أحد رجال الأعمال في حديث له، وأنه توقف عن ذلك بسبب دافع أخلاقي وديني!! (بعد أيه!).
والحيطة والحذر أيضًا من الذين يستغلون الظروف والأوضاع ويقومون بعمليات نصب ومشروعات وهمية ويفرون ويهربون إلى دول أخرى.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – خبير اقتصادي – فرنسا.