موسكو – (رياليست عربي): انتشرت خلال الأيام الماضية على منصة X مزاعم مثيرة للجدل، تدّعي أن طائرة عسكرية روسية تقلّ مسؤولين رفيعي المستوى قامت برحلتين سريتين إلى تل أبيب، وبحسب ما تداوله المستخدمون، فإن الطائرة التي تحمل رقم التسجيل RA-64516، وهي من طراز Tu-214SR العسكري، أقلعت من موسكو نحو إسرائيل يومي 20 و23 أغسطس، ضمن الرحلة التي تحمل الرمز RWZ015.
وللوهلة الأولى، يبدو الخبر صادمًا، خاصةً في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة والغموض الدائم الذي يحيط بتحركات كبار المسؤولين الروس، غير أن تدقيقًا بسيطًا في البيانات يكشف أن هذه “القصة الكبيرة” لم تكن سوى نتاج خطأ بشري بسيط، حُوّل إلى نظرية مؤامرة تغذت على التهويل وسوء الفهم.
بدأ التحقيق بالعودة إلى بيانات الرحلة RWZ015، ليتبين أنها رحلة مدنية مجدولة بشكل يومي، تُسيّرها شركة Red Wings للطيران بين موسكو (مطار دوموديدوفو) وتل أبيب (مطار بن غوريون)، وهذا وحده يثير الريبة: فمن غير المعتاد أن تلتزم الطائرات العسكرية، خصوصًا تلك التي تنقل شخصيات حساسة، بمواعيد مجدولة بدقة، فكيف لطائرة عسكرية أن تُقلع وتهبط وفق جدول رحلات الركاب العاديين في يومين متتاليين؟ المسألة بدت غير منطقية منذ البداية.
المفتاح الحقيقي وراء هذه المزاعم الخاطئة يكمن في رقم تسجيل الطائرة، فعلى الرغم من أن RA-64516 هو بالفعل رقم طائرة عسكرية روسية مخصصة للاستطلاع الإلكتروني، إلا أن الطائرة التي نفذت الرحلتين المشار إليهما كانت في الواقع RA-64518، وهي طائرة مدنية من الطراز نفسه، مملوكة لشركة Red Wings.
الخلل وقع في جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بالطائرة، والذي يُستخدم لبث بيانات الرحلة في الوقت الفعلي إلى أنظمة التتبع العالمية مثل Flightradar24 أحيانًا، يُدخل الطاقم بيانات الطائرة يدويًا، بما في ذلك رقم التسجيل، وهنا وقعت الهفوة، فقد تم إدخال الرقم RA-64516 بدلًا من RA-64518 عن طريق الخطأ، هذا الخطأ البسيط أدى إلى أن تُصنَّف الرحلة بالكامل على أنها “تحرك عسكري سري”، ما أطلق شرارة تكهنات لم يكن لها أساس.
وخلال أيام، بدأت المواقع والصفحات في تداول نظريات: “روسيا تُجري اتصالات خلف الكواليس مع إسرائيل”، و”مسؤولون عسكريون في زيارة سرية إلى تل أبيب”… لكن الحقيقة لم تكن أكثر بساطة من ذلك: لا توجد طائرة عسكرية، ولا مهمة سرية، ولا وفد روسي عالي المستوى، فقط رحلة مدنية، وخطأ رقمي بسيط في جهاز الطائرة.
هذه الحادثة ليست سوى تذكير صارخ بكيف يمكن لخلل فني – أو خطأ بشري صغير – أن يُلهب منصات التواصل الاجتماعي ويخلق قصة كاملة من العدم، أحيانًا، لا نحتاج إلى مؤامرة… بل مجرد رقم واحد خاطئ.
المصدر: globalfactchecking