لتعريف ظاهرة الغزو الثقافي وتمييزها عن توزع وتبادل الأدوار بين الحضارات، لابد من فهم معنى الغزو الثقافي الذي هو اعتداء ممنهج يعتمد على قوى خاصة بالعدو وقوى عميلة في المجتمع المستهدف تسهل عملياته وتمررها، فيما يستهدف في الأساس المنظومة القيمية الضامنة لتماسك المجتمع المستهدف.
الغزو الثقافي التركي
إن الغزو الثقافي التركي وعملية التتريك في بعض المناطق التي سيطر عليها عملاء تركيا ضمن حدود الدولة السورية، واستهداف شرائح الشباب السوري والكوادر السورية في تركيا، اعتمد هدفاً أساسيا له، وهو ضرب الجغرافية الاجتماعية السورية وتفتيتها أملاً في الوصول إلى هدف لاحق هو تفتيت الجغرافيا الطبيعية وتحقيق أطماعه الخاصة به وأطماع المنظومة الغربية الأمريكية والصهيونية من خلال حرب تركيا بالوكالة عن مشروعهم.
ومن أهم أدوات النظام التركي في هذا الغزو هو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وفرع إخوان سوريا على وجه الخصوص، واعتماده القذر على استخدام الدين الإسلامي والمشاعر الإسلامية وسيلة في هذا الغزو وتبريره وتمريره.
إلا أن الأمر المهم هنا، هو أن النظام التركي يحاول ملء الفراغ الوهابي السلفي المتخلف الإرهابي بمركب الصوفية الجهادية الإخوانية وهو مشروع خطر جداً، على الجميع في المنطقة مواجهته وإفشال المشروع التركي القذر نيابة عن الصهيو -أمريكي وبالأصالة عن نفسه الاستثمار بالإرهاب كما جرى في سوريا وكما يجري في ليبيا وغيرها حيث يحاول واهماً لعب دور في أواسط [سيا بحجة اللغة التركية، أي نشر مبدأ الطورانية التركية وتوحيدهم بلغة واحدة تصبح قوة إخوانية كبيرة تهدد الصوفية والإعتدال الإسلامي مستقبلاً.
في هذا الواقع وجد التركي فرصة في فترة ما قبل الأزمة ليستغل هذا الترحيب السوري ليصل الى كثير من ضعاف النفوس وعلى مختلف المستويات مرر من خلالها كثيراً من النشاطات الثقافية الرسمية التي تحيي الروح العثمانية ومنها مؤتمر أقامه وزير سابق وخائن حول سوريا في العهد العثماني غلى تمرير واستقبال الكثير من الوفود الثقافية التي تم من خلالها كثير من الاختراق.
مغالطات تاريخية
في الواقع العملي إن الجانب التركي كحكومة وليس كشعب جار وصديق حاول أيضاً الانفاق على كثير من المشاريع الثقافية والإعلامية التي تم حشو مغالطات تاريخية إجرامية فيها ومنها ما تم تقريره في كثير من الأعمال الفنية التركية حول تاريخ سليمان شاه والد أرطغرل في حلب وهو وهم لا يوجد إلا في عقول هؤلاء المجرمين من إخوان العدالة والتنمية وعملائهم وكذلك مخاطبة الضمير الاجتماعي الديني في بلاد الشام ودمشق تحديداً من خلال إظهار دور لم يكن موجوداً على الإطلاق لمحي الدين ابن عربي في دعم القائد التركي أرطغرل.
ومظاهر التتريك التي يتابعها الكثير، والدوائر الرسمية والأكاديمية والإعلامية السورية ترصد كافة أعمال العدو الإخواني التركي التي يحاول من خلالها تكريس ظاهرة التتريك من تأسيس الجامعات إلى المدارس ومراكز الدراسات ومراكز تعليم اللغة التركية في الشمال السوري.
سلاح الدين
إن أهم أدوات الغزو الثقافي التركي والتتريك تكمن في الدين واستخدامه لتنفيذ برامج الطاعة السياسية في وجود أكثر من 3200 مكتب نورسي في تركيا (درس خانة) وهي بيوت مغلقة للتعليم الديني واستهدفت أكثر من خمسة آلاف شاب من طلاب الجامعات والكوادر العلمية السورية وهي ظاهرة خطيرة بحاجة إلى متابعة دقيقة وتماسك شديد في مقاومة تأثيرها مستقبلاً على المجتمع السوري.
يضاف إلى ذلك أن الأجهزة التركية استغلت السقوط العقائدي لكثير من المثقفين الماركسيين والقوميين الذين تاهوا عن منظومتهم القيمية لتدخلهم في بوتقة الارتزاق والسقوط الهائل حتى درجة ان يصرح مثقف ماركسي سابق بأن جبهة النصرة الإرهابية تمثله في عري قاتل متناسياً هذا القزم أن مشروع النصرة يستهدف ذاته الشخصية قبل مركبه الوطني والوطن الذي قام بخيانته بكل وقاحة.
في هذا الواقع الذي نعيشه ومن خلال تماسك أسطوري للمجتمع السوري المحارب بكل مكوناته ومفاصله في ظل ثلاث رموز أساسية غير قابلة للعزل والتغيير دون إرادة الشعب الذي يقدس هذه الرموز الاعتبارية ويدافع عنها بكل قوة وبسالة وهي:
-مدير قائد تاريخي ومميز هو الرئيس بشار الأسد.
-جيش عقائدي متماسك وصاحب عقيدة قتالية عالية الأداء في التماهي مع المعركة الوطنية بكافة أشكالها بناء أو حرباً وبصمود وإصرار أسطوري على تنفيذ مهامه الوطنية.
-علم يمثل ضميراً شعبياً راسخاً ولا يمكن تجاوزه مهما فعل العملاء ومشغليهم وأولهم تركيا ليبقى العلم السوري بعيونه الخضراء مرفرفاً في قلب تركيا وفي العالم.
ما يكمل ويقوي آليات مكافحة الغزو هو أن يكون هذا المجتمع المحارب حاضراً بكل أفراده في هذه المعركة وتكون الجندية من آخر ربة منزل في مطبخها من خلال ترسيخ ثقافة الطعام ومشاهدة ترفيهية وطنية وتربوية وطنية عبوراً بكافة المؤسسات الوطنية الاقتصادية والسياسية وقبلها الثقافية والتربوية والإعلامية وصولاً إلى الجندي والقائد على جبهات القتال.
منظومة متكاملة
إن وعي السوريين أنهم في تيار المقاومة يستحضرون كل الهمة للصعود إلى العتبة الحضارية من جديد في إطار الأمة المتكاملة والمنظومة السياسية والجغرافية ومشروع أمة بين القبيلة التركية والخليجية أمر في غاية الأهمية يتطلب جهوداً مركزة وتماسكاً أكبر مع التيار المقاوم للعدوان الغربي ووكلائه في المنطقة مع ضرورة الوعي لتلقف أي جهد يعزز التضامن العربي ويحصنه بعيداً عن فكر ردة الفعل.
في هذا الواقع يجب على الجميع ممن يتصدى للمسؤولية الثقافية والفكرية والاجتماعية أن يعي تماماً رسالة الرئيس بشار الأسد وفهمه المتميز والمتقدم للعلمانية الراشدة أو الرشيدة وإمكانية سوريا الهائلة لقيادة مشروع إسلامي وسطي علماني يستطيع استيعاب الهجمة الإخوانية الإجرامية والتركية الغادرة ويجد في الشعب التركي أخا وصديقا ومرتكزا للاستقرار في المنطقة بعيدا عن السياسة الإجرامية للعدالة والتنمية أو القيادة القطرية وبعض القيادات العربية.
إلا أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث وتفصيل كبيرين، دون إغفال العامل الاقتصادي قبل الثقافي والعسكري والإرهابي على سوريا، لكن يجب الحفاظ على الإسلام المعتدل والوقوف في وجه التمدد الإخواني الذي بدأ أردوغان يعمل على نشره خارج حدود تركيا، فعمد إلى إيصاله للقارة الأفريقية إلى جانب ما يقوم به في آسيا، فهل تستطيع الصوفية أن تتحصن ضد هذا المد؟ الأمر يحتاج لتضافر الجهود، من خلال العودة إلى إسلام التسامح والمحبة والإخاء، لا تكفير الآخر وإصدار فتاوى الدم والقتل.
خاص وكالة “رياليست” – د. بكور عاروب – باحث سوري في الشؤون الجهادية الإسلامية – باحث في الشؤون التركية