يريفان – (رياليست عربي): تعيش أرمينيا فترة انتخابات، ويتمحور الحديث الحالي عن التخطيط للمستقبل، وهذا ما سيتجلى بعد الانتخابات بوضوح كامل، وسط توقعات بتغييرات للأفضل بظل الحكومة الجديدة، لكن لا بد لتفعيل هذه التوقعات وتصبح أمراً واقعاً بأن تتشكل الحكومة التي تستطيع إجراء هذه التغييرات التي طال انتظارها.
يأتي ذلك بعد أن أتى الناس بحكومة نيكول باشينيان إلى السلطة، قبل ثلاث سنوات، والتي لم تحقق لهم شيء، بالتالي رافقتهم خيبة الأمل، لكن المؤكد أن أرمينيا بعد عام 2018، لن تعود كما كانت خاصة وأن الشعب الأرميني شعر بقوته وأدرك مسؤوليته الخاصة. لقد عاش هذا الشعب مرارة خيبة الأمل والخسارة، ومن هذه الخسارة والخيبة تنهض الدولة مجدداً بهمة وعمل أبنائها، وهذا ما يشتهر به أبناء هذه البلد، البناء الدائم متجاوزين كل الجراح والآلام.
وبالحديث عن التوقعات، لا بد ان يكون في السلطة الجديدة وطنيين حقيقيين الذين أثبتوا أن ولائهم للبلاد بالسلاح أو بالعمل، أو أولئك الذين أثبتوا قدرتهم على بناء وتطوير التعليم الوطني والعلم والاقتصاد ودفع عجلة الإنتاج، فالديمقراطية الحقيقية لا تتعلق بالمساواة بين مرأة ورجل وتمكين المرأة فقط، أو أشخاص متعددة الثقافات غالباً ما يكونوا موجودين في الخارج وجلبهم إلى السلطة، بل الأمر يتعلق بوضع الأشخاص المناسبين في السطلة لخدمة الناس وليس العكس.
ورغم هذه التوقعات، إلا أن هناك مبدأ خطير للغاية، من شأنه أن يتحول إلى شعبوية رخيصة في حال أعلن عنه أشخاص عديمي الفائدة، متمكنين من السلطة، لذلك نتطلع إلى أن يكون احد القوانين الأولى التي ستعتمدها الجمعية الوطنية المنتخبة حديثاً، حظر كل من ابتعد عن خدمة الوطن وتخلى عنه عندما كان بحاجة إليه، كما نتطلع إلى سن قانون يتعلق بالمنفعة الاجتماعية من خلال تشجيع أصحاب الأعمال الوطنية الذين أثبتوا ولائهم للوطن والشعب على الاستثمار داخلياً، ومعاقبة كل من امتص موارد البلاد وحول الأصول النقدية للخارج وعقابهم على أساس أنهم “خونة” للوطن.
ليس هذا فقط، نتطلع في هذه الانتخابات أن يتم اعتماد قانون، يتعلق بالأشخاص الذين يقودون العلم والاقتصاد وأمن البلاد، على أن يكونوا من أصحاب الخبرة الناجحة عسكرياً، أي أن يكونوا عسكريين ورجال أعمال موالين لبلدهم، لا أن يكونوا مبتدئين وقليلي الخبرات وليبراليين يرون أن السلطة الجديدة هي استراحة لهم، كما نتطلع إلى تفعيل دور الأحزاب السياسية المندفعة للترشح داخل المجلس التشريعي، من خلال إلزامهم بتوقيع عقد تنفيذي لبرامجهم المطروحة، وإن لم يتحقق الهدف، رفع دعوى جماعية فورية وحتمية عليهم.
نتفهم أن هذا الوضع وهذه التكهنات والتوقعات مجرد وهم، لأن أي حكومة ستحقق ذلك ستكون مؤقتة وستعتمد على أن قدرة أي كيان سياسي داخل هذه الحكومة على إثبات قدرته على ضمان أمن البلاد قبل أي شيء، فربما بالنسبة للانتخابات الاستثنائية المقبلة، سيكون لدى الأحزاب والكتل على الأقل بعض البرامج الواضحة؟ هذا ما أتمناه بشكل خاص.
فإن أردنا النهوض علينا أن نأخذ على محمل الجد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزة، حيث الأخيرة وضعها أسوأ بكثير مما هو عليه في أرمينيا، هذه البقعة الجغرافية التي تدعى غزة، تعاني حصار مطبق من جميع الاتجاهات، ومكتظة السكان، إن لم نقل إنها انتصرت، لكنها على الأقل جعلت من إسرائيل أن تعيد حساباتها، ففي هذه المدينة صنعوا الصواريخ في الأقبية ومرائب السيارات، مستخدمين أبسط المواد من بارود وملح صخري وغير ذلك.
كمؤرخ، يتبادر إلى ذهني أمر آخر، على سبيل المثال، الحي اليهودي في وارسو حيث حارب اليهود وهم غير مسلحون تقريباً، وحدات النخبة النازية لمدة شهر تقريباً، ما يدفعنا لأن نفكر، بأنه عندما تتوفر الإرادة لا شيء مستحيل، فهل من أحد يعتقد أن السلاطين لا يخافون؟ إن تجنب الحرب واختيار العار لأن يضمن أن يستطيع السلاطين الحفاظ على كراسيهم، العار سيلحقهم حتماً.
لذلك دعونا نفكر في كيفية تحييد تفوق العدو وانتصاره. إذا نجح أبطال ثورة غيتو اليهودية في وارسو والآن العرب الفلسطينيون، فنحن نستطيع كذلك. مع الإشارة إلى استخدام هذه الأمثلة براغماتياً وبهدف تحقيق هدف معين كمؤرخ لا كخبير أخلاقي.
وكالة “رياليست” – فلاديمير روزانسكي – مؤرخ.
