أغلق لبنانيون الطرق باستخدام الإطارات المشتعلة وصناديق القمامة بأنحاء بيروت وعدة مدن مع تجدد الاحتجاجات التي أججها التراجع السريع في سعر العملة مقابل الدولار والصعوبات الاقتصادية المتراكمة، وتراجعت العملة الوطنية يوم الخميس إلى 5000 ليرة مقابل الدولار وفقدت 70 بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر تشرين الأول عندما غرق لبنان في أزمة اقتصادية يُنظر إليها باعتبارها التهديد الأكبر لاستقرار البلاد منذ الحرب الأهلية العام 1975، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
إنتفض الشعب اللبناني عن بكرة أبيه، متحدياً إجراءات الحظر المفروضة من الحكومة جراء إنتشار وباء “كورونا”، مطالباً بتخفيض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية التي فقد قيمتها يوم أمس ووصل سعر الصرف إلى ما يقابل الـ 7000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، وهو الأمر الذي نفته الحكومة، وأكده المتظاهرين الذين أحرقوا الإطارات وكسروا المحلات، لإحداث التغيير الفوري، جراء إستهداف لقمة عيشهم، بعد تضرر معيشتهم وأعمالهم منذ إنطلاق الثورة اللبنانية، التي جعلت من مصرف لبنان المركزي يتخذ إجراءات قاسية ويحدد كمية السحوبات، وسعر الصرف بما لا يتوافق وسعر السوق السوداء مع فقدان الليرة لقيمتها.
وقبل هذا الفوران الشعبي، وتأثر لبنان من العقوبات الاقتصادية على سوريا جراء قانون قيصر المزمع سريانه في شهر يونيو/ حزيران الجاري، تحدثت معلومات عن إنكفاء لبنان على نفسه مجدداً، وعدم التعامل مع سوريا إقتصادياً، بعد التهديد الأمريكي بفرض عقوبات عليه، إلا أن ذلك لم يحقق توازن ولم يحقق الفائدة الاقتصادية للشعب اللبناني، إذ أصبح الحكم في لبنان هو لحاكم المصرف وهو وحده من يتحكم بمصائر الناس ويحتفظ بمدخراتهم.
إن خروج هذه المظاهرات حالة طبيعية لأن ما يحدث في لبنان وسوريا والعراق أم خارج عن المألوف، ومخطط أقذر من الحرب الإرهابية التي تعصف بهذه الدول خاصة سوريا والعراق، إلا أن لبنان ونظام المحاصصة الطائفي الذي يحكمه، لم يجلب الخير لأحد فيه، فكثرة المتدخلين والنافذين والمنقسمين إلى معسكرين، لن يسمحوا بالتعامل مع سوريا للتخفيف عن لبنان، ولن يسمحوا بالتطبيع العلني مع دمشق، خوفاً من الولايات المتحدة الأمريكية، واما مسألة القرض من صندوق النقد الدولي التي يعتقد لبنان أنها قد تنقذه، فهذه لن تحدث على الإطلاق ولن يتم منحه ما يريد، وحتى وإن منح وهو أمر مستحيل، في ظل الظروف الحالية لن يستفيد لبنان منها بشيء خاصة مع وجود شريحة كبيرة من اللبنانيين الآن تحت خط الفقر دون وظائف أو أموال، خصوصاً القطاع الخاص.
من هنا، إن تحريك الشارع اللبناني وبدون أدنى شك هو تحرك عفوي وصادق، لكن سيتم إخراجه عن مساره، لسبب رئيسي وهو عدم رضا واشنطن على حكومة حسان دياب، التي تغرد خارج سرب الولايات المتحدة، فضلاً عن أن ذلك بقناعة واشنطن سيحدث ضغط على حزب الله، وكان قد خرج رئيس حزب الكتائب نديم الجميل مطالباً بسحب سلاح حزب الله، ليري العالم أن سبب ما يحدث في لبنان هو ذلك، فيما باقي الأحزاب والفرق، لم تحقق لأبنائها شيء، ما يعني كل الزعماء في دائرة الخطر، بعد أن طالب الشعب بإزاحتهم جميعاً، ويبدو أن الموضوع لن يكون من اليسير حله، على العكس من سوريا التي بدأت حملة واسعة للقبض على المتلاعبين في أسعار الصرف ومستغلين هذا الوضع، الأمر الذي رفع قيمة الليرة السورية في أقل من 48 ساعة، مع نزول سعر الصرف وسعر الذهب، ومراقبة المحال التجارية وضبط المخالفات.
يبقى أن يصمد لبنان، لأن الوضع سيخرج عن السيطرة إذا لم يتم تدارك هذا الخطر، وهذا ما سيتبين بإجتماع الحكومة اللبنانية اليوم، لإيجاد حلول ومخرج لهذه الضائقة.
فريق عمل “رياليست”.