دمشق – (رياليست عربي): تأتي زيارة وفد الأمم المتحدة إلى محافظة السويداء في سياق محاولة كسر العزلة السياسية التي ظلت تعاني منها المنطقة طوال سنوات الصراع السوري. فالسويداء، التي حافظت على موقع رمادي بين المعارضة المسلحة والولاء الكامل للنظام، باتت اليوم على خريطة الاهتمام الدولي، حيث تُقرأ هذه الزيارة كإشارة إلى أن الأمم المتحدة أصبحت ترى في الحراك السياسي والاجتماعي للمحافظة مؤشرًا يستدعي التدخل أو المتابعة على الأقل.
وفي إطار تعزيز التمثيل المحلي المتعدد، يبرز لقاء الوفد مع المشايخ الثلاثة (حكمت الهجري، يوسف جربوع، حمود الحناوي) كاعتراف بالدور المحوري للمرجعيات الروحية التقليدية في الحفاظ على السلم الأهلي. كما أن اللقاء مع ممثلي الطائفة المسيحية والعشائر يؤكد سعي الأمم المتحدة إلى ترسيخ وحدة المجتمع المحلي واحترام تنوعه، بعيدًا عن خطاب الإقصاء أو التهميش.
ولا تقتصر الزيارة على الجانب الرمزي فحسب، بل تبدو محاولة لتمهيد الطريق لحوار سياسي محتمل، خاصة في ظل تركيز المبعوث الأممي بيدرسون على “خطوات متبادلة لبناء الثقة” بدلًا من انتظار حل شامل. وقد تشكل هذه الجولة أساسًا لمبادرات تشاركية، سواء عبر لجان تنسيقية محلية أو تمثيل أوسع في حوار وطني يضمن مشاركة الجنوب.
على الصعيد الديني والاجتماعي، تهدف الزيارة إلى ترسيخ التوازن بين المكونات، حيث يُنظر إلى لقاءات الوفد مع المرجعيات الدينية والطوائف المختلفة كاعتراف بأهمية هذا التنوع في منع الانقسام الداخلي. كما تُبرز الأمم المتحدة من خلال هذه الخطوة نموذج السويداء الفريد في الحفاظ على التماسك الاجتماعي رغم التحديات الاقتصادية والأمنية، مما يجعله مثالًا يُحتذى به في مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية.
ولا تغفل الزيارة الأبعاد الرمزية، كالتوجه إلى مقام عين الزان (المقر الروحي للدروز)، الذي يُفسر كاعتراف ضمني بمرجعية الزعامة الدينية، بعيدًا عن مؤسسات الدولة. كما أن الظهور إلى جانب الشخصيات العشائرية يُرسل رسالة مزدوجة: التأكيد على دور العشائر في ضبط الاستقرار، واستحضار التاريخ السياسي للجنوب في التحالفات الإقليمية.
أما على المدى المتوسط، فمن المتوقع أن تترجم هذه الزيارة إلى تحركات ملموسة، كتفعيل المساعدات الإنسانية عبر قنوات محايدة، وفتح قنوات اتصال غير رسمية مع وجهاء المحافظة تمهيدًا لإشراكهم في مسارات الحوار المستقبلية. كما قد تشكل هذه الخطوة حافزًا لضبط التوترات الأمنية في الجنوب، عبر تعزيز التعاون مع الزعامات المحلية لمواجهة التهديدات المتطرفة وتهريب الأسلحة.
ختامًا، لا يمكن اختزال زيارة الوفد الأممي في كونها جولة روتينية، بل هي إشارة واضحة إلى نية دمج السويداء في المسارات السياسية المقبلة، مع الحفاظ على خصوصيتها. ورغم أن الزيارة تبقى خطوة أولى، إلا أنها قد تمهد لتحركات أكثر وضوحًا لدعم الاستقرار وفتح آفاق جديدة للحوار المحلي والوطني.