التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة الأمريكية واشنطن في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين الحليفين بحلف شمال الأطلسي – الناتو، توترا ملحوظا وخلافات في عددٍ من القضايا، بحسب وكالات أنباء.
خلافات ولكن!
إن الملف الأبرز الذي أوحى أنّ هناك خلافاً أمريكياً – تركيّاً هو الملف السوري المتشعّب، فمع إطلاق تركيا للعملية العسكرية “نبع السلام” في شهر نوفمبر/ تشرين الأول 2019، أحدث شرخاً أمريكيا مع تركيا، لأسبابٍ باتت معروفة ألا وهي أن واشنطن تدعم الأكراد، الأعداء التاريخيين لتركيا، على الرغم من تطمينات أمريكا والتنسيق مع تركيا إلا أن هذا الأمر لم يُثنِ أردوغان عن إطلاق العملية العسكرية.
هذا الملف ليس الأول، إذ سبق ذلك، صفقة المنظومة الجوية الصاروخية الروسية إس-400، وتعليق صفقة المقاتلات الأمريكية إف-35، يُضاف إلى ذلك رفض واشنطن تسليم الداعية فتح الله غولن إلى السلطات التركية، فضلاً عن القضية الأكبر حول مذابح الأرمن التي تثير الهيستيريا التركية لجهة تداولها في المحافل الدولية، مما أعطى إنطباعاً أن العلاقات الثنائية في طريقها إلى الإنهيار.
مباركة أمريكية
إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن لن تكون الأخيرة، في ظل تسارع تطورات ملفات المنطقة، والتي تتداخل فيها تركيا بشكل كبير وواضح، فالعملية العسكرية في شمال شرق سوريا، لو أنها لاقت رفضاً أمريكياً لا يمكن أن يقدم عليها النظام التركي لولا قبول أمريكي، خاصة بعد تلويحات أمريكية كثيرة بفرض عقوبات إقتصادية على عددٍ من الشخصيات التركية، ولم يكن الخلاف الحاصل داخل الحزب الحاكم التركي في السابق والذي إستقال من حزب العدالة والتنمية شخصيات لها ثقلها في السياسة التركية كأحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق، وخسارة الحزب الحاكم لأكبر مدينتين إقتصاديتين “إسطنبول وأنقرة”، كلها مؤشرات توقعها البعض على أن إنهيارا وشيكا سيهز العرش العثماني، إلا أن ذلك لم يحدث، فلقد إستطاع الرئيس أردوغان الإلتفاف على كل الأمور الداخلية، بدءا من مسألة الإنقلاب الأخير في العام 2015، حيث أقدم على تنفيذ كل ما تم التخطيط له وليس آخره الإقدام على العملية العسكرية الأخيرة في سوريا، التي كانت سبباً في إنسحاب القوات الأمريكية من بعض القواعد في شمال شرق سوريا، لتسهيل العملية أمام الحليف الأمتن لها، الرئيس أردوغان.
فشل روسي
على الرغم من العلاقات الجيدة الحالية بين الاتحاد الروسي وتركيا، والتي تقاطعت بشكل كبير في الملف السوري، لجهة القمم والمحادثات التي حدثت طوال فترة الحرب على سوريا، ليتبين أنهما شركاء لا يمكن أن تهتز علاقتهما، حيث ظن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه ببيع منظومة الصواريخ إس-400 إلى أنقرة، والتماهي في الملف السوري عبر غض النظر حيال العمليات العسكرية التركية جميعها، أنه بذلك، يستطيع كسب أنقرة وسحبها من واشنطن، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، حيث أن أردوغان يتلاعب بكل من الولايات المتحدة وروسيا معاً، لكن إن رجحت الكفة، فسيقع إختيار الرئيس التركي قطعاً لواشنطن وتفضيلها على موسكو، الأمر الذي تعيه روسيا جيداً لكن على المستوى السياسي لا بد بأنها مقتنعة أنها فشلت في هذا المخطط.
من هنا، إن زيارة الرئيس أردوغان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تقطع الشك باليقين لأي فرضية يحللها أو يشير لها كبار الساسة حول خلافات حادة أو شديدة أو حتى صغيرة مع واشنطن، فهذا الأمر عدا عن أنه غير صحيح، يؤكد أن العلاقات الأمريكية – التركية في أوجها، وأن الملف السوري ما هو إلا واجهة للتصيد في باقي الملفات، سواء ما يحدث في العراق أو في ليبيا وحتى الإعتراف بشبه جزيرة القرم، فمن المعروف أن أردوغان شهير في إنقلاب وتغير مواقفه بما يتطلب ومصلحته الخاصة قبل المصلحة التركية، وهذا الأمر ينطبق على أسلوب واشنطن التي تؤكد أنها لا يمكن أن تنقلب على هذا التحالف المتين، وما هذه الزيارة إلا ترجمة حقيقية لهذا التحليل البسيط.
فريق عمل “رياليست”