باريس – (رياليست عربي): بعد أن نفذت الإدارة الأمريكية ضربةً جويةً استهدفت البرنامج النووي الإيراني، وركزت على ثلاث محطات نووية في فوردو وأصفهان ونطنز، خالفةً بذلك وعودها السابقة بمنح النظام الإيراني مهلة 14 يوماً كفرصة أخيرة للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط، بما في ذلك التخلي عن تخصيب اليورانيوم.
اختار الرئيس ترامب وإدارته الانحياز إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتمدين على خيار القوة العسكرية تحت شعار “القوة سبيل لإقرار السلام”. جاء هذا التصرف مناقضاً لموقف معظم الأطراف السياسية والدبلوماسية الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وفرنسا ومعظم دول المنطقة وعلى رأسها مصر، التي كانت تؤيد الحل التفاوضي للأزمة.
لكل طرف حساباته ومبرراته وأهدافه الظاهرة والمخفية. في المعسكر الأول، أعلن الرئيس ترامب وقادته العسكريون أن الضربات الجوية كانت “ساحقة وقاضية”، ووصفوها بأنها نجاح غير مسبوق في التاريخ العسكري الأمريكي، حققت جميع أهدافها بدقة. وعلى الفور، تبعهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتعبير عن امتنانه الشديد للرئيس ترامب وإدارته، معتبراً أن هذه الضربة حققت طموحات إسرائيل كدولة وشعب، والتي ما كانت لتحققها دون الدعم الأمريكي.
أما في الجانب الآخر، فقد أعلنت إيران أن الضربة لم تكن شاملة بل جزئية، وأنها ستتمكن من إصلاح الأضرار والتعافي سريعاً. بل ذهب بعض المسؤولين الإيرانيين إلى حد الادعاء بأن اليورانيوم عالي التخصيب قد نُقل من المحطات المستهدفة قبل أيام من الضربة إلى مواقع أخرى آمنة. إن صح هذا الادعاء، فقد تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت والتطورات.
بغض النظر عن التصريحات المتبادلة من كلا الجانبين، يبقى المؤشر العلمي الوحيد الموثوق به هو رصد مستويات التسرب الإشعاعي من مواقع المحطات النووية المستهدفة. فهذا الدليل العملي يحتاج إلى وقت كافٍ لظهور نتائجه، وهو ما يجب أن ننتظره بدلاً من الانسياق وراء التصريحات الإعلامية المتناقضة.
في خضم هذه الأجواء المشحونة والتصريحات العدائية المتبادلة، يصعب -بل يستحيل- التكهن بما قد يحدث في المستقبل القريب. ولكن الحقيقة الثابتة، كما ذكرت في مقال سابق، هي أننا نواجه واقعاً جديداً ستبرز فيه قوى وتتلاشى أخرى. الجميع خاسر في هذا الصراع، فمن يدعي أن استخدام القوة يمهد للسلام؟ التاريخ يشهد أن القوة غالباً ما تكون خسارة للإنسانية وحضارتها. فبعد كل هذا الدمار والضحايا، أي سلام هذا؟ سلام أم استسلام؟
يواجه العالم اليوم خياراً مصيرياً بين اعتماد القوة أو تبني الدبلوماسية والحوار. إن استخدام القوة يشكل تهديداً خطيراً للجميع، وعلى المجتمع الدولي أن يتضامن لمنع انتشار الأسلحة النووية والدمار الشامل. ففي معظم الأحيان، يكون اللجوء إلى القوة دليلاً على الضعف لا القوة، ونادراً ما كان طريقاً إلى السلام. هذا ما تثبته صفحات التاريخ.
الآن تُترك جميع السيناريوهات مفتوحة: هل تكون هذه الضربات بداية النهاية؟ أم بداية مرحلة جديدة؟ لا نملك إلا الانتظار لنرى ما ستجلبه الأيام -بل الساعات- القادمة.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.