باريس – (رياليست عربي): بعد إعلان وقف الغارات والصواريخ والمسيرات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وقيام القوات الجوية بضرب ثلاث محطات نووية في فوردو وأصفهان ونطنز، جاء الإعلان المفاجئ عن نجاح السيد ترامب وإدارته في إقناع الطرفين بالموافقة على وقف إطلاق النار وإنهاء هذا الصراع المسلح.
في أداء دراماتيكي أشبه بالأداء السينمائي والمسرحي الذي يقدم على مسارح لندن وباريس وهوليوود، أعلن السيد ترامب عن نجاح العملية الجوية الفريدة من نوعها والتدمير الكامل للمحطات الثلاث. لكن في المشهد الثاني، ظهرت تقارير تفيد بأن الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية لم تنجح، وأن ذلك زاد إيران قيادةً وجيشاً وشعباً إصراراً وعزيمةً على المضي قدماً في برنامجها النووي. وفي المشهد الثالث، خرج زعيم الكتلة الديمقراطية في الكونغرس تشاك شومر منتقداً الرئيس ترامب لكونه قد خالف الدستور لأنه لم يخطر الكونغرس مسبقاً بذلك، مؤكداً أن الولايات المتحدة لم تكن بحاجة للقيام بهذه العملية التي تعرض المصالح الأمنية في منطقة الشرق الأوسط والعالم لمخاطر كبيرة. وأضاف شومر أن هذه العملية عالية التكاليف والمخاطرة لم تحقق الهدف المعلن عنها وهو القضاء وتدمير البرنامج النووي الإيراني، حيث أنه من السابق لأوانه الإعلان عن ذلك، خاصة مع ورود تقارير تفيد بأن الأضرار الناجمة عن تلك الضربة كانت محدودة وغير مؤثرة كما يروج لها ترامب وأعضاء إدارته.
الناتو في لاهاي:
وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مدينة لاهاي الهولندية التي تحتضن قمة الناتو (حلف شمال الأطلسي) الذي تأسس عام 1949 على يد 12 دولة غربية لمواجهة خطر الاتحاد السوفياتي آنذاك، ويضم حالياً 32 عضواً.
تعهد أعضاء حلف شمال الأطلسي في اجتماعهم اليوم الأربعاء بزيادة إنفاقهم الدفاعي السنوي إلى ما مجموعه 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، وهو ما طالب به ترامب سابقاً وتحقق اليوم، لتصبح موازنة الحلف السنوية تتجاوز تريليون دولار أمريكي سنوياً لأول مرة منذ تأسيس الحلف، وهو مبلغ ضخم وكبير.
كما تعهد أعضاء الحلف في البيان الختامي لقمتهم في لاهاي بتوسيع التعاون في الصناعات الدفاعية فيما بينهم وبين ضفتي الأطلسي (أوروبا وأمريكا وكندا). وأكدوا على دعم طويل الأمد لأوكرانيا وإدراج المساعدات العسكرية لها ضمن الإنفاق الدفاعي، معتبرين روسيا “تهديداً طويل الأمد” لأمن أوروبا الأطلسي، وهو ما يدل على رضوخ ترامب وأمريكا لمطالب أوروبا بضرورة الاستمرار في سياسة الدعم الكامل لأوكرانيا في نزاعها المسلح مع روسيا الذي يقترب من عامه الرابع.
ووفق الإعلان الختامي المشترك، تعهد الأعضاء أيضاً بإنفاق ما يصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على النفقات المتعلقة بالأمن مثل حماية البنية التحتية الحيوية وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية للحلف. وأعلن القادة أن هذه الاستثمارات ضرورية لمواجهة “التهديدات الأمنية الهائلة”، خاصة ما وصفوه بـ”التهديد طويل الأمد الذي تشكله روسيا على الأمن الأوروبي الأطلسي والتهديد المستمر للإرهاب”. وورود “كلمة الإرهاب” تعني التهديدات التي يتعرض لها الناتو سواء كانت من روسيا أو من غيرها، وهي كلمة مطاطة تتيح للحلف وأعضائه التدخل في أي مكان وأي زمان تحت غطاء محاربة ومكافحة “الإرهاب”.
قمة رائعة….
أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقمة الحلف في لاهاي معتبراً أنها كانت “رائعة”، وأبلغ رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أن القمة كانت “نجاحاً كبيراً.. والمشاركة فيها كانت إيجابية للغاية وحققنا أموراً كثيرة” وهامة لحلف الناتو وأعضائه في هذا التوقيت الحساس الذي يمر به العالم من أحداث دقيقة وخطيرة.
كما أكد ترامب أن الولايات المتحدة التي تسهم بنحو ثلثي الإنفاق في الحلف طالبت مراراً بتغيير ذلك، واصفاً التزام الدول الأعضاء برفع الإنفاق الدفاعي من 2% إلى 5% بأنه “خطوة تاريخية”. وصرح بأن “لولا الولايات المتحدة لما كان الناتو موجوداً”.
ورداً على سؤال حول رفض إسبانيا رفع مساهمتها الدفاعية في الحلف، وصف ترامب هذا الموقف بأنه “مريع”، متوعداً مدريد بدفع الثمن على المستوى التجاري، وفق تعبيره، وقال: “سأقوم بالتباحث شخصياً مع المسؤولين الإسبان حول زيادة إنفاقها العسكري.. وسنجبرهم على دفع ضعفي المبلغ المطلوب”.
ويسعى الأوروبيون من خلال زيادة سقف الإنفاق الدفاعي الذي حدده الرئيس ترامب لإقناعه بالحفاظ على التوازنات داخل الحلف، وتجنب أي تخلٍّ أمريكي مفاجئ وغير محسوب عن الدفاع عن أمن القارة الأوروبية، وهو ما هدد وألمح به ترامب للقادة الأوروبيين وأعضاء الناتو في لقاءات واجتماعات سابقة.
التعليق:
حضور ترامب لاجتماع الناتو في لاهاي الهولندية اليوم والإشادة به بأنه “رائع” قد يوحي لبعض المحللين أنه جاء إلى لاهاي ليروج لنجاحه في الضربة العسكرية على إيران، ولنجاحه في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وللتغطية على الصراعات السياسية التي يواجهها من الديمقراطيين الذين يتربصون لتنديده وإدارته وسياستها الداخلية والخارجية.
خاصةً وأنه منذ أيام قليلة غادر اجتماع الدول الصناعية السبع الذي عقد في كندا بشكل مفاجئ ودون أي مبررات.
ما اتخذ من قرارات عسكرية وأمنية قد يزيد من حدة النزاع العسكري بين روسيا وأوكرانيا من جانب، وبين روسيا والناتو وأمريكا من جانب آخر.
أيضاً، فإن تضمين القرارات لعبارة مكافحة الإرهاب فيه مضيعة تتيح لبعض الدول الحليفة لأمريكا من خارج الناتو الاستفادة من إمكانيات وصلاحيات ونفوذ الناتو الهائلة في أي وقت وفي أي مكان.
وأخيراً، نرى العالم يتكلم ويتحد، وأين نحن من ذلك؟ لعل القادم أفضل لنا ولهم وللبشرية.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.
