باريس – (رياليست عربي): في مقال نشر في مارس/آذار الماضي، أكد المعهد الدولي لأبحاث السلام – SIPRI، أن فرنسا هي ثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم.
شهدت فرنسا ارتفاع حصتها في السوق العالمية من 5.6٪ خلال الفترة 2011 – 2015 إلى 8.2٪ خلال الفترة 2016 – 2020. هذه الزيادة بنسبة 44٪ هي الأقوى بين أفضل 5 بائعين دوليين. على الرغم من التباطؤ الكبير المرتبط بالأزمة الصحية والاقتصادية، فإن سوق السلاح العالمي يمثل أكثر من أي وقت مضى حصة استراتيجية واقتصادية رئيسية لفرنسا، ما يبرر ذلك، البراعة التكنولوجية والمعرفة الفرنسية، فمن المهم في نفس الوقت أن نعرف أن هذه الصناعة لا تزال وقود الحروب، لكن هل نعرف لمن تبيع فرنسا الأسلحة؟
في تقريرها إلى برلمان عام 2021 التابع لوزارة القوات المسلحة حول صادرات الأسلحة الفرنسية، أكدت الوزيرة فلورنس بارلي حول بيع الأسلحة أنها: “تدعم صادراتنا أيضاً أهدافنا الاستراتيجية في مناطق أخرى من العالم، ولا سيما تعزيز وجودنا. في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومشاركتنا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط وأفريقيا ومكافحة الإرهاب في البلدان المعنية”. يذكر التقرير “الصادرات التي تساهم في الحفاظ على الأمن الدولي”. لكن الواقع يتعارض مع الأسف مع الرسالة المهدئة لوزيرة الدفاع.
يشير تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2015 إلى أن داعش لديها أسلحة كافية لتجهيز ثلاث فرق بجيش تقليدي – 40.000 إلى 50.000 جندي. ومع ذلك، من بين هذه الأسلحة، وجدنا العديد من أصل فرنسي، ما يؤكد ذلك أنه وفي رسالة إلكترونية عام 2014 كشف عنها موقع ويكيليكس من جوليان أسانج، كتب جون بوديستا، مستشار باراك أوباما والمسؤول عن حملة هيلاري كلينتون الرئاسية، إلى السيدة كلينتون: “(…) نحتاج إلى استخدام دبلوماسيتنا وأيضاً الوسائل التقليدية من أجهزة المخابرات لممارسة الضغط على حكومتي المملكة العربية السعودية وقطر، اللتين تقدمان الدعم المالي واللوجستي السري لتنظيم داعش والجماعات السنية المتطرفة الأخرى في المنطقة.
وفي الفترة 2011 – 2020 حتى لو انخفضت الأرقام، فإن السعودية وقطر والإمارات تمثل ما يقرب من ثلث عتادها العسكري وأسلحتها فرنسي الصنع. هل هدف فرنسا حقاً “الحفاظ على الأمن الدولي”؟ وكيف حصل تنظيم داعش على أسلحة فرنسية؟
وزيرة الدفاع تتجنب الأسئلة الغاضبة حول الخوض في الأمور المالية، ولا ننسى أن الحرب التي تخوضها السعودية والإمارات في اليمن قد أسفرت عن سقوط قتلى، وصلت إلى أكثر من 100،000 شخص (بما في ذلك أكثر من 12،000 مدني) منذ عام 2014 وتقدر مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن 70 ٪ من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدة إنسانية وأن 80 ٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، الإعلام الفرنسي والسياسيون يسكتون عن هذا الموضوع ، لكن بالنسبة للكاتب الجزائري كامل داود، السعودية نجحت في دعم داعش، والسيدة بارلي تقول إنها تدافع عن السياسة الفرنسية “بصرامة الامتثال للمتطلبات المتعلقة بصادرات الأسلحة، مع الامتثال الكامل لقيمنا والتزاماتنا الدولية.”، “من الواضح أن قيمنا ليست كما كانت عليه من قبل”.
في أوروبا ، يمكن أن نندهش أيضاً من زيادة مبيعات الأسلحة إلى أوكرانيا، التي هزتها الحرب الأهلية في دونباس منذ عام 2014 حيث قُتل بالفعل أكثر من 14000 شخص. قد يتساءل المرء عما تفعله شركة مثل شركة داسو الفرنسية للطيران – Dassault Aviation المنتجة للطائرات الحربية، في مناقصة لإعادة تجهيز طائرة مقاتلة تابعة للقوات الجوية الأوكرانية عندما يعلم المرء أن كييف استخدمت قوتها الجوية لقصف المدنيين في عامي 2014 و 2015 في جمهوريات دونيتسك المستقلة و لوغانسك؟ فرنسا هي إحدى الدول الموقعة على اتفاقيات مينسك 2 للسلام في دونباس. كيف يمكن أن تبيع فرنسا الأسلحة إلى كييف وتكون متسقة في توقيع اتفاقات السلام لكلا الجانبين بيد واحدة بينما توقع صفقات لبيع الأسلحة من جهة أخرى؟
الخطر الأوكراني غير مفهوم بشكل كبير نظراً لأن كييف مليئة بالديون وواحدة من أفقر البلدان في أوروبا. بالنسبة لهذه الاتفاقية، ستكون باريس مستعدة لضمان العقد بنسبة تصل إلى 85٪. كيف ستفعل فرنسا إذا لم تستطع أوكرانيا سدادها؟ في ظل خطر تضخيم الحرب على الأراضي الأوروبية، تضيف باريس أن تعويضها بهذا الشأن يأتي عبر الضرائب من الشعب الفرنسي الذي يدفع الفاتورة.
قد يجادل البعض بأنه من الأفضل لفرنسا، وليس منافسيها، بيع الأسلحة لهذه الدول المستبدة، لكن هذا حساب قصير المدى. يقوم حكم القانون على القيم والدفاع عن هذه القيم. إذا كانت فرنسا تريد استعادة مكانتها الدولية، فعليها أن تفعل ذلك من خلال قدرتها على التوصل إلى اتفاقيات سلام وضمان احترامها. كيف يمكن لفرنسا أن تكون ذات مصداقية في دفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال بيع الأسلحة للأنظمة البترومونية الوهابية في الخليج أو للدول المستعدة لقصف المدنيين؟
إما أن نفترض أن ندعم هذه الأنظمة الشمولية دون شروط ونلتزم بقيمنا أو ندافع عنها ولكننا بالكاد نستطيع التوفيق بين الاثنين. يجب تعزيز الرقابة البرلمانية على صادرات الأسلحة ويجب أن تسمح للبرلمانيين بالتحقيق بحرية في الغرض من استخدام الأسلحة التي تبيعها فرنسا في الخارج. لا يجوز أن ينتهي الأمر بالأسلحة الفرنسية في أيدي الإرهابيين، ولا يجوز لها أن تخدم أنظمة لا تتردد في قتل المدنيين أو زعزعة التوازن الهش في الشرق الأوسط أو أوروبا. إن كون فرنسا لاعباً رائداً في التسلح العالمي هو أصل استراتيجي رئيسي لا يمكن ممارسته بأي ثمن.
خاص “وكالة رياليست” – نيكولا ميركوفيتش – كاتب ومحلل سياسي صربي.