في أول محاضرة قدمتها عن الأقاليم الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019؛ بقسم الدراسات الروسية، كلية العلوم الإجتماعية، “المدرسة العليا للاقتصاد” بموسكو؛ ومع البروفيسور يوري جايفورونسكي، والمشرف أيضاً على البحث الذي قدمته “نظام عالمي جديد”، تم توجيه السؤال عن مستقبل “القرم”، وهل بعد رحيل الرئيس بوتين عن السلطة، يمكن أن ترجع مرة أخرى إلى أوكرانيا؟
والجدير بالذكر أن القسم هو الأحدث على مستوى المدرسة العليا للاقتصاد، ويمكن على مستوى العالم، ويضم خيرة الأساتذة والطلاب من جنسيات مختلفة بما فيها روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، والصين، وإيطاليا، وطبعا مصر.
وفي الإجابة على الأسئلة أعلاه، وذلك بموجب مقال عن الانتخابات الرئاسية الروسية السابقة قبل العام 2018، وبعدها، لأنه كانت هناك بعض التسريبات الروسية أنه ربما يتم إعداد الجنرال “سيرغي شويغو” وزير الدفاع الروسي الحالي، وتلميذ الرئيس بوتين، ليحل محله لخوض انتخابات الرئاسة في العام 2018.
ولكن بسبب ضيق الوقت آنذاك، حيث كانت الضغوط البريطانية والأمريكية على أشدها وخصوصا بعد حادثة إغتيال “سكريبال” الملفق في بريطانيا، وحوادث أخرى قامت من خلالها وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بشيطنة روسيا.
وخصوصاً لتقليب الرأي العام الروسي ضد بوتين وتصرفاته، وأيضا التعكير على انتخابات الرئاسة الروسية في العام 2018 ووصفها بالمزورة، وأيضا التعتيم على الحدث الرياضي العالمي الأكبر “تنظيم كأس العالم لكرة القدم في روسيا في ذات العام”.
أسباب عدم إسترجاع “القرم”:
1-استمرار الغرب في شيطنة روسيا، وتوغل الناتو وصواريخه إلى مناطق متاخمة للأراضي الروسية، بما يهدد الأراضي الروسية، وهذا كان السبب الرئيسي للضم بشكل قانوني وبموجب استفتاء رسمي عام لسكان القرم وبنسبة تأييد تزيد عن 70%.
2-وكان قبل اقتراح التعديلات الدستورية الجديدة في يناير/ كانون الثاني الماضي من هذا العام “2020” أنه يتم إعداد الجنرال شويغو للانتخابات القادمة في العام “2024”، مع وجود أحد المجالس، كما ذكر على الإعلام الروسي، سيصبح له سلطات واسعة مثل “مجلس الدولة”، وسيترأسه الرئيس بوتين، وبهذا سيكون طرفا في السلطة داخل الإتحاد الروسي.
واليوم، وبعد فحص ما يزيد عن 80% من نتائج الإستفتاء على التعديلات الدستورية، والذي استمر على مدار ستة ايام بداية من 25 يونيو/ حزيران الماضي، وحتى الأول من يوليو/ تموز أمس، تشير النتائج إلى أن غالبية الروس وتحديدا ما يقارب 75% مع التعديلات الجديدة، والتي تقر حزمة جديدة من الحقوق الإجتماعية والإقتصادية، وهذه النسبة تقارب نفس النسبة التي نجح بها الرئيس بوتين في الإنتخابات السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه وبالتعاون مع مدرسة العلوم السياسية جامعة القاهرة في مصر وفي بداية شهر مارس/ آذار الماضي، تم تنسيق أول محاكاة لمناظرة المرشحين للانتخابات الرئاسية الروسية في العام 2018 على مستوى العالم قبيل عقد هذه الإنتخابات بأسبوعين فقط، والتي أظهرت مدى معرفة الطلاب والباحثين المصريين بالكثير عن السياسة الروسية، وكانت حديث الإعلام الروسي في وقتها.
تفسير نتائج الإستفتاء على التعديلات الدستورية:
أولاً، الناحية الاقتصادية والإجتماعية
هنا نستحضر ما قاله د. بوريس مكارينكو، رئيس قسم الدراسات الروسية، في محاضراته عن “السياسة الروسية المعاصرة”، وتفسيراته لنتائج الإنتخابات الرئاسية في العام 2018، حلل فيها نزعة المواطنين الروس للاستقرار، والخوف من التقلبات في أوقات الأزمات، وخصوصا بعد أحداث تسعينات القرن الماضي، وأيضا الأزمات المالية التي حدثت في 1998 بسبب انخفاض أسعار النفط عالميا، وبعدها بـ 10 سنوات في العام 2008.
وكذلك أن غالبية المواطنين من الطبقة المتوسطة التي تمثل غالبية المصوتين بـ “نعم”، من العاملين في الجهاز الحكومي الروسي، ويتمتعون بإمتيازات وكوبونات ودعم على السلع والمنتجات.
يضاف إلى ذلك أن أزمة فيروس “كورونا”، تعاملت الحكومة الروسية، إلى حد كبير، بشكل مناسب مع هذه الأزمة، بالرغم من الضغوط التي رافقتها (إقتصاديا) بانخفاض شديد في أسعار النفط، و(إعلاميا) أن الإعلام الروسي الرسمي يكذب على المواطنين.
لكن لم يُلاحظ إرتفاع جنوني في أسعار السلع كما حدث من بعض التجار في مصر، وأيضا مؤخرا أنتجت شركات الأدوية الروسية عقارا ضد كورونا، وأثبت فعالية منذ عدة أسابيع، وقبل ان تقوم أوروبا أو حتى أمريكا بذلك.
غير الإعفاءات البنكية التي أعطيت للمواطنين والشركات الصغيرة والمتوسطة، حتى لا يعاني أحدا من أي ضائقة مالية بقدر الإمكان، وتوزيع إعانة بطالة على المواطنين الروس العاطلين خلال فترة الحظر من الذين فقدوا وظائفهم.
ثانياً، الناحية السياسة والإستراتيجية
سيتمكن الرئيس بوتين من القيام ببعض الأمور التي تم تأجيلها لما بعد أزمة “كورونا” والتصويت على الإستفتاء، خصوصا في كل من سوريا باستكمال الحرب على الإرهاب، والوقوف لأمريكا بالمرصاد تفاديا لتكرار الوضع الليبي وجولة مفاوضات ثلاثية جديدة روسية – إيرانية – تركية.
أيضا التدخل الروسي الإيجابي في الوضع الليبي بالتعاون مع مصر، بما يسمح لروسيا بدور أكبر في شمال افريقيا ومحاولة تهدئة الأوضاع بين الحكومتين، حتى يتم الإتفاق على إجراء انتخابات رئاسية ليبية، وأيضا محاولة استغلال الأزمة العالمية وتخبط أمريكا داخليا، لتشتيتها على الجانبين الليبي والسوري للحصول على أفضل تسويات ممكنة، تضمن استقرار هذه المنطقة المهمة للحليفين الروسي والصيني مع عدم بقاء البحر المتوسط كبحيرة يسيطر عليها الناتو كما كان سابقا.
طبعا استكمال التحالف مع الجانب الصيني في مبادرته “طريق الحرير” مع وجود أخبار بشأن تمويل “طريق المريديان” من الجانب الصيني، والذي سيربط كازاخستان مع بيلاروسيا مرورا بالأراضي الروسية.
سيستمر الضغط الروسي – الصيني على أمريكا من خلال مجلس الأمن من أجل رجوع أمريكا للاتفاق النووي 5 +1، لتجنب تفاقم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط أكثر مما هي عليه، وضمان عدم لجوء إيران إلى الخطة (ب) بإجراء التخصيب النووي مرة أخرى.
سيكون هناك تعاون روسي – صيني في أفريقيا، كما ذكر على لسان دبلوماسيين رفيعي المستوى من الطرفين، لإنشاء محطات طاقة نووية ترفع من مستوى التنمية في القارة، وتحسن من مستواها، ذلك الموضوع الذي اتفق عليه في القمة الروسية- الإفريقية بمدينة سوتشي في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2019.
فكرة نظام عالمي جديد
في اتفاق مع شركة هواوي الصينية على إنشاء البنى التحتية لتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات مع الجانبين الروسي والألماني العام الماضي، تلك التكنولوجيا خلال الخمس سنوات المقبلة، ستنشيء محركات بحث موازية لـ جوجل، وكذلك انظمة رقمية موازية عالمية جديدة، تحد من الهيمنة الأمريكية على أنظمة تحويلات البنوك “سويفت”، وكذلك أنظمة تذاكر السفر “إياتا”، وغيرها وربما عملة رقمية تحد من سيطرة الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي والدولار على سوق النقد العالمي.
ولهذا شن الإعلام الأمريكي حربا شرسة على شركة هواوي الصينية، لأنها استحوذت على صفقات تحديث شبكات الجيل الخامس للاتصالات عالميا، والتي ستؤثر على أمريكا سلبا بعد سنوات قليلة اقتصاديا، بسبب الوسائط الموازية الصينية والألمانية والروسية التي سيتم تفعيلها، بسبب الهيمنة الأمريكية المفرطة والتي لا تناسب الجنس البشري حاليا.
ختاماً، نأمل أن تتم مراجعة السياسات الروسية الداخلية، فيما يتعلق بالتعليم، وخصوصا ما قبل الجامعي، إذ لدي خطة لتطويره، وكذلك الصناعة، والسياسات النقدية الروسية حتى لا يظل “الروبل الروسي” عرضة للتقلبات النقدية العالمية، سواء بسبب هبوط مفاجئ في أسعار النفط، أو بسبب استقلال البنك المركزي الروسي وارتباطه بالإحتياطي الفيدرالي.
بالنسبة للمصوتين بـ “لا” لهم كل الإحترام والتقدير، ولكن لا زالت القنوات مفتوحة مع الرئاسة الروسية والمؤسسات لتقديم اقتراحات وبدائل بناءة تخدم المواطن والمجتمع الروسي، مع إعادة النظر في مفهوم حرية التعبير، لأن “الشتائم والقذف والتهديد” لا تدخل ضمن نطاق “حرية التعبير”، ولكن النقد البناء المحترم مع تقديم آليات ومقترحات قابلة للتطبيق، هذه هي حرية التعبير التي تتطلبها روسيا في الوقت الحالي.
لم نسمع في يوم من الأيام أن ضابط روسي وضع قدمه في الطريق على رقبة مواطن روسي حتى الموت لكن سمعنا في مظاهرات الخريف الماضي عن بعض المتظاهرين المتطرفين قد هددوا ضباط الشرطة الروس بـ “قتل ابناءهم” إذ لم يسمحوا لهم بالتظاهر، هل هذه حرية تعبير؟
بالنسبة لـ مصر، اعتقد ان الوقت حان، وخصوصا بعد خذلان الإدارة الأمريكية لها في “أزمة سد النهضة” مع أثيوبيا، باللجوء للطرفين الروسي والصيني، واللذان تربطهما بمصر شراكة استراتيجية، واعتقد أن الطرف الروسي وكذلك الصيني من القوة أن يلعبا دورا كبيرة لحل هذه الأزمة ولديهما أدوات تمكنهما من ذلك.
خاص وكالة “رياليست” – أحمد مصطفى – خبير في الاقتصاد السياسي