القدس – (رياليست عربي): عند سماع جُمل مثل: “إذا نجحت تركيا”، “إذا استطاع الأتراك”، وغير ذلك، لا يعي من يقول ذلك خطر مشروع طوران العظيم، فهو لم يعد مشروعاً بل أصبح واقعاً موضوعياً، تفضّل موسكو عدم ملاحظته.
إلى الآن يتظاهر الروس بأن لا وجود لمشروع طوران الكبير، لكن مع وجود حقائق وأدلة دامغة من السهل ملاحظتها بسهولة، خاصة وأن هذا المشروع لم ينشأ في لحظة، بل بدأ بالظهور منذ وقت طويل جداً، وتحديداً مع انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث رأت تركيا فرصة في هذا الانهيار لإحياء الإمبراطورية العثمانية، قد تكون تركيا نفسها لم تخطط لهذا المشروع، لكن شركائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي – الناتو، قد لفتوا إنتباهها حول أهمية هذا المشروع، لكن هذا غير مهم الآن أمام إبصار مشروع طوران العظيم النور.
إذاً، البداية كانت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن هذه البداية هي شرط من شروط كثيرة لتحقيق الطموحات التركية، هنا لا ضرر من ذكر جُملة “تعلّم من أعدائك”، هذا يأخذنا إلى ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق “جون كينيدي”، عندما تم إطلاق أول قمر صناعي أرضي في تاريخ البشرية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وهي: (إما أن نتعلم من الروس، أو سيتعين علينا تعلم اللغة الروسية)، كهذه الحالة، تواجه العديد من الشعوب هذه المعضلة الآن، بما في ذلك روسيا، فإما القيادة الروسية ستعمل على تحليل التجربة التركية وتتوصل إلى استنتاجات صحيحة لنفسها، أو سيتعين على الروس تطبيق جملة كينيدي وتعلم اللغة التركية.
لكن السؤال المهم هنا، كيف حققت تركيا هذه القوة اليوم؟
قد يعتقد البعض أن قوة تركيا نابعة من موقعها الجغرافي، فهي تسيطر على المضائق التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود، وهي جسر بين آسيا وأوروبا، بالتالي إن هذا العامل الجغرافي على أهميته الكبيرة يرتبط بعوامل أخرى مهمة، والتاريخ يعرف العديد من الأمثلة، مثل أن هناك الكثير من الدول التي لا تحتل موقعاً جغرافياً مهماً لكنها أكثر ثراءً من تركيا من حيث الموارد الطبيعية.
إذن ما هي قوة تركيا؟ ولماذا تعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا هذا البلد بالذات حليفاً استراتيجياً لهما على نطاق عالمي؟ ولماذا لم تلائم المملكة العربية السعودية، وهي دولة أكثر ثراءً، هذا الدور؟ ولماذا تمكنت إسرائيل الصغيرة من أن تصبح الحليف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وليس أي دولة أخرى في المنطقة؟
الجواب بسيط للغاية، لقد أثبت كلا البلدين – إسرائيل وتركيا – قدرتهما على تنفيذ أي عقود مع الولايات المتحدة. وإذا تمكنت إسرائيل من إثبات قدرتها على حل أي مشاكل في الشرق الأوسط – فهذه الدولة ليست قادرة على المزيد بسبب الموارد الإقليمية المحدودة، أما تركيا فقد تمكنت من إقناع أمريكا بأنها قادرة على حل أي مشاكل في جميع أنحاء أوراسيا، علاوة على ذلك، فإن تركيا تحل كل مشاكل الولايات المتحدة لكن ليس على حساب مواردها الخاصة.
في السنوات التي مرت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، اكتسب الأتراك جيوشاً كاملة من المقاتلين بشكل غير ظاهر، وأصبح الأتراك أسياد الحروب بالوكالة، وبنفس الوقت هناك العديد من هؤلاء المقاتلين في العالم اليوم يقاتلون من أجل المصالح التركية – الأمريكية – البريطانية، مقابل مكافآت سخية، هنا لا يتعلق الأمر فقط بتشكيلات بغيضة مثل “جبهة النصرة” ( منظمة محظورة أنشطتها في الاتحاد الروسي) وما شابه، ولكن أيضاً حول دول بأكملها، على سبيل المثال، حول أذربيجان.
نتيجة لذلك، تشعر تركيا اليوم بثقة في الأراضي الشاسعة الممتدة من ليبيا إلى أفغانستان. وبالحديث عن أفغانستان، ما يحدث فيها ليس سوى البداية، قد يستغرق سقوط الحكومة الحالية في أفغانستان عدة أشهر وربما عدة أسابيع. وهذا الأمر سيحرك الصين لاتخاذ خطوات رادعة لحماية أمنها القومي على الحدود مع أفغانستان، وصحيح أن روسيا لديها مخاوف خول الوضع في أفغانستان، للاعتقاد بأنه في القوقاز، ستكون تركيا راضية عن بعض “الممرات” عبر أراضي أرمينيا، لا يمكن إلا أن تكون من الدرجة C في الحياة، سيمر الممر الرئيسي عبر روسيا. لكن لا تأكيدات على الإطلاق من أن روسيا ستقاوم الهجوم على ثلاثة أقسام من حدودها في وقت واحد، أي في آسيا الوسطى والقوقاز وأوكرانيا، كذلك إيران في أسوأ وضع الآن، لأن المخططات عليها كثيرة، بالتالي، إن خطورة الوضع حول إيران هل يقلق القادة في روسيا؟ إن سقطت إيران وتم إنشاء نظام موالٍ للغرب ومعادٍ لروسيا، سيكون بمثابة ضربة قاصمة أخرى لروسيا.
الوضع الجيو – سياسي الحالي في أوراسيا يشبه لعبة الشطرنج بين خبير كبير وهواة، يتعزز هذا الانطباع بشكل خاص من خلال تصريحات كبار المسؤولين الروس، على سبيل المثال، في وزارة الخارجية، حول الشراكة والصداقة مع تركيا، هل من غير المفهوم حقاً أن مشروع طوران العظيم موجود بالفعل وليس في أي مكان فقط، ولكن هنا، مباشرةً على حدود الاتحاد الروسي، ومن جميع الجهات، باستثناء أرخانجيلسك وتشوكوتكا؟
ولكن إذا استمر الأمر على هذا النحو، فسوف نجد اليابانيون يعتنون بتشوكوتكا، والبريطانيون والأمريكيون والهولنديون و.. الأتراك سنجدهم يعتنون بـ أوديسا، لكن لرؤية كل هذا، يجب أن تكون قادراً على تحليل المعلومات وإدراكها بشكل عام، ناهيك عن كيفية التعلم. وهناك الكثير لنتعلمه من الأتراك. لننظر إلى القوة التي يتمتع بها الأتراك في جورجيا اليوم، ناهيك عن دورهم في أذربيجان، لقد قدموا قره باغ الى أذربيجان وسيطروا بالمقابل على كل أذربيجان، إلى جانب الاستثمار في جورجيا، لكن ماذا عن روسيا؟ يبدو أن روسيا تراقب فقط عمل العنكبوت المتقن، دون تحرك تأمن به مصالحها.
وكالة “رياليست” – فلاديمير روزانسكي – مؤرخ.