بعد أن صعّد رئيس الوزراء اليوناني مؤخراً من أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلناً عن نية اليونان من نقل الأزمة إلى محكمة العدل الدولية، في إشارة إلى لغة لا تخلو من التهديد، لتتحول هذه الأزمة بين مد وجزر، تارةً التصعيد هو سيد الموقف، وتارةً أخرى تكون التهدئة هي الحل، لكن موقف حلف شمال الأطلسي كان واضحاً في هذا الخصوص، لنقل الأزمة إلى الحل بالقنوات السياسية والدبلوماسية، وهنا لابد من ذكر أن اللهجة اليونانية القوية في بعض الأحيان، جاءت من جراء وقوف غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح إلى جانبها وقبرص، ما يعني هنا أن فرص أنقرة أصبحت ضئيلة حتى وإن وصل الأمر إلى قيام عملية عسكرية، لن تكون مثمرة مهما تم التحشيد العسكري فيها، أي لن تكون لصالح تركيا، خاصة بعد أن أعلنت عدة دول أوروبية وقوفها إلى جانب اليونان.
وإلى حدٍّ ما، يمكن القول إن حلف الناتو إلى الآن نجح في تهدئة الأوضاع، في هذا الملف.
لماذا رحبت أثينا بتحركات تركيا لتهدئة التوترات؟
تسببت تركيا لليونان بعددٍ من الأزمات مع نهاية العام 2019 وبداية العام 2020، فلقد فتحت أنقرة حدودها وأغدقت باللاجئين ووضعت اليونان في موقف صعب جداً وما هي إلا فترة قليلة حتى إجتاح فيروس “كورونا” العالم، ليصبح الوضع أشد ضغطاً على أثينا، يضاف إلى ذلك حادثة الصدام في شرق المتوسط بين سفينتين تركية ويونانية، إذاً هي عوامل كثيرة لن تستطيع أثينا مواجهتها لوحدها، على الرغم من وقوف المجتمع الدولي إلى صفها، فكما الآن الصراع الأرميني – الأذري ورغم وقوف الغرب مع أرمينيا لكن الصراع والقتلى من الجانبين ولم يتدخل أحد فعلياً بين الطرفين، ما يعني إن حدث ووقع صدام تركي – يوناني، قد تكون أثينا لوحدها في هذه المواجهة، بوقت هي ليست مستعدة ولا جاهزة ولا تملك إمكانيات تركيا العسكرية، فالحل الدبلوماسي قد يكون هو السبيل الوحيد للحل، لكن لا ضير من دعم معنوي غربي وأمريكي لليونان، فلدى الولايات المتحدة أسلحة إقتصادية كثيرة تستطيع من خلالها أن ترضخ تركيا فيها، إلى جانب التلويح الأوروبي كذلك.
ما سبب قبول تركيا بالتهدئة في ملف شرق المتوسط؟
إن أزمات المنطقة اليوم، تشترك تركيا فيها جميعاً، ومهما بلغت من القوة لن تستطيع الصمود ومجاراة كل هذه الأزمات وحيدة، فلقد تحولت السياسة التركية الخارجية من صفر مشاكل إلى تربعها على كل المشاكل والصراعات الدائرة في المنطقة، فلو حاولت إتباع القانون بكل هذه الأزمات لكان بمقدورها الحصول على ما تريد، لكنها رفعت سقف طموحاتها في وقت قياسي قصير، ما جعلها تنجح وتصعد بسرعة، الأمر الذي يرجح فرضية سقوطها السريع، وبالتالي تحتاج أنقرة إلى أن توازن في بعض الملفات لكسب الوقت والإنتهاء من الأزمات الملحة والتي هي الأزمة الأرمينية – الأذرية التي توليها الاهتمام أكثر من الأزمة مع اليونان.
من هنا، إن الأحداث ومجرياتها تتعرض لمد وجزر هبوطاً وصعوداً، وبتحكيم المنطق يجب التهدئة في كل الملفات، إذ أن الصراعات أصبحت وبالاً على الجميع، ولا يبدو أن هناك رابح، بل الخسائر هي الأكثر سواء بين البشر أو في الإقتصادات حول العالم، فالتهدئة في هذا الملف يونانية أكثر منها تركية، لأن الجميع بحاجة إلى هدنة يعيدون فيها ترتيب الأوراق بغية الوصول إلى حلول تكون منصفة للجميع.
فريق عمل “رياليست”.