لا يزال المشهد الليبي يراوح مكانه بما يتعلق بالمظاهرات الشعبية الغاضبة والمنددة بالتدخل التركي ومساندة حكومة الوفاق، ولعل أسوأ ما تواجهه حكومة أنقرة الآن هو الإتفاقية البحرية بين مصر واليونان للتنقيب عن الغاز والنفط في البحر المتوسط، بينما لا تزال زيارة برنار هنري ليفي موضع جدا واسع ولم تعرف أسبابها بعد.
بارقة أمل
تحتاج ليبيا اليوم إلى تضافر الجهود بعدما تبين للشعب الليبي، أن اللاعبين فيها لا يهمهم سوى تحقيق مصالحهم على حساب إراقة الدماء وسرقة مقدرات ليبيا الغنية بالمصادر الحيوية من طاقة ومعادن وغير ذلك، في حين، يقابل كل هبوط لطرف على حساب الآخر، صعود للطرف الآخر، فبعد الإنسحابات الأخيرة لقوات شرق ليبيا من بعض المناطق في العاصمة طرابلس والتي قال المتحدث باسم القوات الليبية اللواء أحمد المسماري، إن ذلك في المفهوم العسكري يعتبر إنسحاباً تكتيكياً ولا يسجل نصراً للطرف الآخر، على عكس ما روجت له قوات الوفاق، وهذا يتترجم فعلياً بالمظاهرات المنددة والغاضبة من ممارسات الأخيرة غير آبهين للجائحة المنتشرة، حيث كانت أقواها في عاصمة شعبية المرقب والتي تم فيها إحراق إطارات وإغلاق الطرق على خلفية التوزيع غير العادل للطاقة التي تسطير عليها قوات الوفاق.
ومن الناحية السياسية، إعتبرت جامعة الدول العربية أن التدخل التركي تجاوز المقبول، إلا أنه يواجه أسوأ فترة له خلال الأزمة الليبية، لعل ذلك يأتي عقب سيطرة حكومة أنقرة على حركة الإستيراد والتصدير في الموانئ الليبية، وتعيين مسؤولين أتراك، الأمر الذي أغضب الشارع الليبي، خاصة وأن التدخل التركي والتحالف مع فائز السراج لا يخدم إلا طموحات أنقرة الاقتصادية والجيو – سياسية، هذا ما أكده القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر الذي قال في كلمة له أمام أفراد كتيبة طارق بن زياد مؤكداً فيها أن ليبيا ستصبح جحيما للغزاة الأجانب، في إشارة إلى تركيا، كما إلتقى حفتر مع ضباط مقر العمليات وقيادة الجيش الوطني الليبي وقادة المناطق العسكرية، لبحث وتحليل آخر التطورات ووضع خطة دفاع للمرحلة القادمة.
مهندس الثورات العربية
إن زيارة الصحفي الفرنسي برنار هنري ليفي عرّاب الثورات العربية، والذي ترك له بصمة في معظم الأحداث التي عصفت بالوطن العربي، والذي أصبح موضع شبهة في أي بلد عربي يزوره، ففي زيارته إلى ليبيا، تحاول حكومة الوفاق التنصل من هذه الزيارة، وأوحت أنها تقوم بإجراء تحقيق لمعرفة أسباب دخوله، الأمر الذي لا ينطلي على أحد، فهو لا يستطيع الدخول دون مباركتها، ومن الطبيعي أن يكون إجتمع بمسؤوليها للتخطيط لأمرٍ ما وغالباً هو ضد الشعب الليبي الموالي للجنرال حفتر، ما يؤكد هذه الفرضية هو عدم نشر نتائج التحقيق التي زعمت حكومة السراج أنها قامت بها، فلقد كن أن أعلن المجلس الرئاسي الليبي في حكومة الوفاق في 27 يوليو/ تموز عن إجراء تحقيق في وصول برنارد ليفي إلى ليبيا عبر مطار مصراتة بموجب القرار رقم /508/ لعام 2020.
هذا التنصل من التكتم على عملية دخوله بما فيها وسائل الإعلام الأجنبية، يشير إلى أن ثمة ما يحاك ضد الشعب الليبي وبعلم وخبر ودراية من حكومة السراج، وبالطبع من حليفتها تركيا.
قمع دموي
يبدو أن قدر الشعب الليبي هو المعاناة، فخروج المظاهرات المتكررة والمنددة لن يجلب لهم الأمن والأمان في ضوء ممارسات المرتزقة الذي جلبتهم تركيا من سوريا وغيرها لقتل المدنيين، ليتعدى الأمر ويصل إلى إقتحام منازل الليبيين من عصابات متعددة كعصابة العمو والغول وغنيوة الككلي، وما يجمعها أنها كلها تتبع لحكومة السراج، التي تحاول توسيع رقع نفوذها ضمن الأحياء السكنية وتصل أحياناً إلى مواجهات بينهم وبين مشغليهم أنفسهم في مقابل فرض النفوذ غير المفهوم ماذا سيحدث فرقاً طالما أنهم وجهان لعملة واحدة، حيث أن إطلاق الرصاص وإرهاب الناس مستمر تحت الذرائع أعلاه.
حيث تواصل تركيا تجنيد المرتزقة ووضعت سماسرة متخصصين لذلك، وآخر المعلومات في هذا الشأن أن جندت مؤخراً 27 ألف مرتزق جديد من جنسيات مختلفة، وأدخلته إلى الأراضي الليبية.
التدخل الأجنبي
ذكرت معلومات أن تركيا أجبرت الحكومة الإيطالية أن تنقل جنودها من مصراتة، إلى مدينة أخرى، على خلفية عدم التنسيق مع القوات التركية، في وقت يبقى الشارع الليبي متفرجاً على تقاسم الأجانب على أرضه دون أن يستطيع التأثير وعكس هذه الأوضاع لصالحه، يأتي ذلك بالتزامن مع دعوات برلمانية إيطالية وتحديداً من عضو البرلمان الإيطالي روسيلا موروني التي دعت إلى إلغاء الإتفاقيات المتعلقة بالهجرة مع ليبيا تحت ذريعة أنه إجراء أمني ضروري، لكنه قد يكون لي ذراع لحكومة الوفاق المدعومة من تركيا لتعارض المصالح، خاصة وأن حكومة أنقرة رغم جمود وضعها إلا أنها هي المسيطرة حتى الآن.
إذ تواصل أنقرة مد مقاتلي الوفاق بأحدث الأسلحة والأجهزة المتطورة بعد أن أطبقت على الملاحة البحرية في الموانئ الليبية، بالتالي إن خط إيصال الأسلحة الرئيسي لإزكاء النزاع والمعارك هو عن طريق البحر.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فتركيا أصبحت موجودة في قواعد عسكرية أنشأتها وتعمل على تدعيمها، فلقد أنشأت قاعدة للطائرات بدون طيار في مطار مصراتة المدني، بعد أن كان أرضاً قاحلة ليصبح هيكلاً عسكرياً واضحاً يرى عبر الصور الفضائية والأقمار الصناعية.
أخيراً، إن الوضع في ليبيا يزداد تعقيداًن ويغلب عليه الطابع العسكري، ما يؤخر أي بارقة أمل للدفع نحو الحل السياسي، فلقد توضح للجميع أن كل دمار ليبيا مرده الإستحواذ على ثرواتها، وآخر ما يمكن التفكير به هو شعبها وما يعانيه، فلن يحقق السلام إلا الوحدة وتشكيل قوى كبيرة تستطيع مجابهة القوى الأجنبية التي تحتاج بدورها إلى دعم خارجي يمدها بما تحتاجه وهذا الأمر قادم لا محالة، هذا الأمر واضح والذي قابلته أنقرة بهستيريا واضحة عقب إبرام الإتفاقية بين مصر واليونان، القانونية والشرعية، بين دولتين مستقلتين ويملكان حدودها البحرية على المتوسط، فهل البحر المتوسط هو ملك تركيا لوحدها، وتريده الإستئثار بالثروات لوحدها، هذا الأمر بعهدة المجتمع الدولي والذي هو إلى حدٍّ ما متواطئ مع تركيا، وإلا لكان تدخل لإنقاذ ليبيا من دمارٍ وشيك.
فريق عمل “رياليست”.